من حب الانتقام ما يحرق بشرره قلوب الطغاة ويشفي صدور المستضعفين.
لكن تلك الذكريات على مرارتها لم تمنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصفح الجميل فآثره على الانتقام والتشفي، فنادى أهل مكة:«ما تقولون إني فاعل بكم؟».
فقالوا والخوف المختلط بالرجاء يملأ قلوبهم: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. فتعالى النبي - صلى الله عليه وسلم - على عمق الجراحات وألم العذابات وقال: «أقول كما قال أخي يوسف: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}(يوسف: ٦٤)، اذهبوا فأنتم الطلقاء» (١).
وعفو النبي - صلى الله عليه وسلم - وتجاوزه عن مظالم قريش هو امتثال لأمر الله تعالى، حيث قال آمراً نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}(الأعراف: ١٩٩)، فهذه الآية "تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات فقوله:{خُذِ الْعَفْوَ} دخل فيه صلة القاطعين، والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغيرُ ذلك من أخلاق المطيعين.