يستجر المخطئ إلى الكذب، لينضاف إلى أخطائه خطأ آخر، يقول أنس بن مالك خادم النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والله لقد خدمت النبي - صلى الله عليه وسلم - تسع سنين، ما علمته قال لشيء صنعتُه: لم فعلتَ كذا وكذا، أو لشيء تركتُه: هلا فعلتَ كذا وكذا».
وفي رواية عند الإمام أحمد:«ما قال لي فيها أف».
وفي رواية له أيضاً:«والله ما سبني سبة قط، ولا قال لي أف»(١).
وهنا نتساءل: ألم يخطئ أنس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قط؟ ألم يصنع ذلك الغلام ما يصنعه أي غلام في سنه من لهو وتشاغل وعبث، ألم يقع منه خلال عشر سنين ما يقع فيه أبناؤنا وخدمنا كل يوم من زلل وخطأ؟ أوليس هو من جنسنا؟ أم كان هذا الغلام غلاماً فوق العادة؟
لا لم يكن أنس كذلك، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - يستعيض في توجيهه عن السب والتعنيف والتأفف بالرفق والتماس الأعذار.
وبينما النبي - صلى الله عليه وسلم - جالس ذات يوم بين أصحابه في مسجده، إذ دخل أعرابي، فصلى ركعتين ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لقد تحجرت واسعاً».