وهكذا فالهجرَ عقوبةٌ تربويةٌ ناجعة، لكن ينبغي أن نتذكر أنها تنجح في إصلاح البعض دون الآخرين، فهي وسيلة تعتمد على كمال الحب بين المعاقَب والمربي، كما هو الحال بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه كعب بن مالك - رضي الله عنه -.
وأما حين نفقِد محبة الآخرين فإنهم لن يبالوا بهجرنا لهم، بل لربما رحبوا به، ووجدوه فرصة للتخلص من التزاماتهم الأدبية، وحينها يصبح وسيلة خاطئة يفضَل اجتنابُها ويحسُنُ تركُها.
ولرب قائل بأن الرفق صعب وبعيد المنال عندما يسيء البعض إلى أشخاصنا، فيتطاولون علينا بالسب أو الشتم، فماذا عسانا نصنع معهم؟ ألا نقابل سبابهم بسباب وتطاولهم بمثله؟
ولهؤلاء نقول: دعونا ننظر كيف صنع نبينا - صلى الله عليه وسلم - حين سبه الناس وشتموه؟
دخل عليه ذات يوم نفر من أهل الكتاب، فبدلاً من أن يلقوا عليه تحية السلام؛ قالوا له بصفاقة ووقاحة: السام عليك، والسام تعني الموت.
فلم يزد - صلى الله عليه وسلم - على أن قال:«وعليكم».
ظنت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدرك حقيقة قولهم، وأنهم استبدلوا (السلام) بـ (السام)، فقالت وهي تدافع عن زوجها وتنتصف له من قلة أدب هؤلاء