للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً} (لقمان: ١٥).

قال ابن كثير: " إن حرصا عليك كل الحرص، على أن تتابعهما على دينهما؛ فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعك ذلك أن تصاحبهما في الدنيا {معروفاً} أي محسناً إليهما" (١).

وقد جاءت أسماء بنت الصديق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقول: يا رسول الله، قدمت عليّ أُمّي وهي راغبة، أفأَصِلُ أُمي؟ فأجابها الرحمة المهداة: «صِلِي أُمَّك» (٢).

قال الخطابي: "فيه أن الرحم الكافرة توصل من المال ونحوه كما توصل المسلمة، ويستنبط منه وجوب نفقة الأب الكافر والأم الكافرة؛ وإن كان الولد مسلماً" (٣).

قال محمد بن الحسن: "يجب على الولد المسلم نفقة أبويه الذميين لقوله تعالى: {وصاحبهما في الدنيا معروفاً} (لقمان: ١٥)، وليس من المصاحبة بالمعروف أن يتقلب في نعم الله، ويدعهما يموتان جوعاً، والنوازل والأجداد والجدات من قبل الأب والأم بمنزلة الأبوين في ذلك، استحقاقهم باعتبار الولاد بمنزلة استحقاق الأبوين" (٤).

وفي مثل آخر لصلة الرحم - وإن كانت كافرة - يقول عبد الله بن مروان: قلت لمجاهد: إن لي قرابة مشركة، ولي عليه دين، أفأتركه له؟ قال: نعم. وصِله (٥).

ويمتد البر وصلة الرحم بالمسلم حتى تبلغ الرحم البعيدة التي مرت عليها المئات من السنين، فها هو - صلى الله عليه وسلم - يوصي أصحابه بأهل مصر خيراً، براً وصلة لرحم قديمة تعود إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنكم ستفتحون مصر .. فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذِمة ورحِماً» (٦).

قال النووي: " وأما الذمة فهي الحرمة والحق , وهي هنا بمعنى الذمام، وأما الرحم فلكون هاجر أم إسماعيل منهم" (٧).

ومن البر وصلة الأرحام عيادة المريض، فقد عاد النبي - صلى الله عليه وسلم - عمه أبا طالب في مرضه (٨)، وعاد أيضاً جاراً له من اليهود في مرضه، فقعد عند رأسه (٩).


(١) تفسير القرآن العظيم (٣/ ٤٤٦).
(٢) أخرجه البخاري ح (٢٦٢٠)، ومسلم ح (١٠٠٣).
(٣) فتح الباري (٥/ ٢٣٤).
(٤) المبسوط (٤/ ١٠٥).
(٥) أخرجه أبو عبيد في الأموال، ص (٨٠٤).
(٦) أخرجه مسلم ح (٢٥٤٣).
(٧) شرح النووي على صحيح مسلم (١٦/ ٩٧).
(٨) أخرجه أحمد ح (٢٠٠٩)، والترمذي ح (٣٢٣٢).
(٩) أخرجه البخاري ح (١٣٥٦).

<<  <   >  >>