للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[ج. التكريم الإلهي للإنسان]

خلق الله آدم عليه السلام، وأسجد له ملائكته {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طيناً} (الإسراء: ٦١)، وندبه وذريته من بعده إلى عمارة الأرض بمنهج الله: {إني جاعل في الأرض خليفة} (البقرة: ٣٠).

ووفق هذه الغاية كرَّم الله الجنس البشري على سائر مخلوقاته {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً} (الإسراء: ٧٠).

وأكد نبينا - صلى الله عليه وسلم - وصحبه من بعده - احترام النفس الإنسانية ومراعاة كرامتها، ففي الخبر أن سهل بن حنيف وقيس بن سعد كانا قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض، أي من الفرس. فقالا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرت به جنازة فقام. فقيل له: إنها جنازة يهودي؟! فقال: «أليست نفساً» (١).

ومن تكريم الله للجنس البشري ما وهبه من العقل الذي يميز به بين الحق والباطل {وهديناه النجدين} (البلد: ١٠)، وبموجبه وهبه الحرية والإرادة الحرة لاختيار ما يشاء {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً} (الإنسان: ٣) {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} (يونس: ٩٩).

[د. لا إكراه في الدين]

وبناء على ما تقدم فإن الإنسان يختار ما يشاء من المعتقد {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} (البقرة: ٢٥٦)، والله يتولى في الآخرة حسابه {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها} (الكهف: ٢٩).

قال ابن كثير: "أي لا تُكرِهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بَيِّن واضح؛ جليٌ دلائلُه وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته؛ دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره؛ فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً" (٢)؛ إذ الفائدة المرجوة من إسلام المدعو هي نجاته وهدايته ودخوله الجنة، وأما ادعاء الإسلام - إكراهاً وقهراً - فإنه لا يحقق شيئاً من ذلك، فهو عند الله كافر، بل هو من المنافقين {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً} (النساء: ١٤٥)، ولا قيمة في أحكام الآخرة لتظاهره بالإسلام، فخسارته للجنة والنجاة هي الخسران العظيم، لذلك يقول الله تعالى: {قل الله أعبد مخلصاً له ديني - فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين} (الزمر: ١٤ - ١٥)، ويقول: {وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون - الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون} (الحج: ٦٨ - ٦٩)، فالإيمان - ابتداء - عمل قلبي،


(١) أخرجه البخاري ح (١٣١٣)، ومسلم ح (٩٦١).
(٢) تفسير القرآن العظيم (١/ ٤١٦).

<<  <   >  >>