للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[ج. الجزية في مقابل الحماية والخدمات الحكومية]

وفي مقابل هذه الدنانير المعدودات فإن المسلمين يلتزمون بالدفاع عن أهل الذمة وحمايتهم، ولو أدى ذلك إلى إزهاق أرواحهم في سبيل حماية أهل ذمتهم.

فقد ضمنه كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لربيعة الحضرمي، إذ يقول: "وأن نَصْرَ آل ذي مرحب على جماعة المسلمين، وأن أرضهم بريئة من الجور" (١).

وبمثله ضمن عبادة بن الصامت للمقوقس عظيم القبط، حين قال: "نقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم إن كنتم في ذمتنا، وكان لكم به عهد علينا ... " (٢).

وكتب خالد لأهل بعض النواحي في العراق: "فإن منعناكم فلنا الجزية، وإلا فلا حتى نمنعكم" (٣).

قال أبو الوليد الباجي: "وذلك أن الجزية إنما تؤخذ منهم على وجه العوض لإقامتهم في بلاد المسلمين والذب عنهم والحماية لهم" (٤).

وأكد فقهاء الإسلام على حق أهل الذمة بالحماية، واعتبروا قيام المسلمين به من الوفاء بالعهود الذي تحرسه الشريعة وتأمر به.

قال الماورديّ: "ويلتزم ـ أي الإمام ـ لهم ببذل حقَّين: أحدهما: الكفُّ عنهم. والثانِي: الحماية لهم، ليكونوا بالكفِّ آمنين، وبالحماية محروسين" (٥).

وقال النوويّ: "ويلزمنا الكفُّ عنهم، وضمان ما نُتلفه عليهم، نفسًا ومالاً، ودفعُ أهلِ الحرب عنهم" (٦).

قال ابن قدامة: "الجزية تجب على أهل الذمة في كل عام، وهي بدل عن النصرة" (٧).

وينقل القرافي عن ابن حزم إجماعاً للمسلمين لا تجد له نظيراً عند أمة من الأمم، فيقول: "من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح، ونموت دون ذلك، صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة"، ويعلق القرافي فيقول: "فعقد يؤدي إلى إتلاف النفوس والأموال صوناً لمقتضاه عن الضياع إنه لعظيم" (٨).

ولا يسقط واجب المسلمين بحماية أهل الذمة وهم في ديار الإسلام، بل يمتد إلى إطلاق أسراهم الذين غُلبنا عليهم، يقول ابن النجار الحنبلي: "يجب على الإمام حفظ أهل الذمة، ومنع من يؤذيهم، وفكُّ أسرهم، ودفع من قصدهم بأذى" (٩).


(١) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (١/ ٢٦٦).
(٢) أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر وأخبارها، ص (٦٨).
(٣) تاريخ الطبري (٢/ ٣١٩).
(٤) المنتقى شرح موطأ مالك (٢/ ١٧٥).
(٥) الأحكام السلطانية (١٤٣).
(٦) انظر: مغني المحتاج (٤/ ٢٥٣).
(٧) المغني (١٠/ ٣٦٢).
(٨) الفروق، القرافي (٣/ ٢٠).
(٩) مطالب أولي النهى (٢/ ٦٠٢).

<<  <   >  >>