للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

زكاة على المسلمين منهم]، ومن كل حالم ديناراً، أو عدله مَعافر [للجزية]) (١). والمعافري: الثياب.

وعلى عهد عمر بن الخطاب - صلى الله عليه وسلم - كانت الجزية على أهل الذهب: أربعة دنانير، وعلى أهل الورِق: أربعين درهماً؛ مع ذلك أرزاق المسلمين، وضيافة ثلاثة أيام (٢).

وقد تفاوت مقدار الجزية في عصور الإسلام، وقد مر معنا أن عمرو بن العاص أوجب على أهل مصر دينارين فقط في كل سنة، تدفع عن الرجال دون النساء والأطفال والشيوخ، فيما لم تتجاوز جزية الشخص الواحد الأربعة دنانير زمن الدولة الأموية.

والذي يظهر من هذا التفاوت أن مقدار الجزية متروك للإمام، قال ابن أبي نجيح: قلت لمجاهد: ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير، وأهل اليمن عليهم دينار؟ قال: جعل ذلك من قبل اليسار (٣).

لكنه على كل حال لن يجاوز هذه المبالغ البسيطة التي تراعي حالة الناس ويسارهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم، وهو ما نفهمه من وصية عمر للخليفة بعده بأهل الذمة، إذ يقول: (وألا يكلفوا فوق طاقتهم) (٤).

قال ابن حجر: "ويستفاد من هذه الزيادة أن لا يؤخذ من أهل الجزية إلا قدر ما يطيق المأخوذ منه " (٥).

وفي هذا الصدد ينقل آدم متز عن المؤرخ بنيامين قوله: "إن اليهود في كل بلاد الإسلام يدفعون ديناراً واحداً" (٦).

ويقول دربير في كتابه "المنازعة بين العلم والدين": "إن المسلمين ما كانوا يتقاضون من مقهوريهم إلا شيئاً ضئيلاً من المال لا يقارن بما كانت تتقاضاه منهم حكوماتهم الوطنية" (٧).

ويقول مونتسكيو في كتابه "روح الشرائع": "إن هذه الأتاوات المفروضة كانت سبباً لهذه السهولة الغريبة التي صادفها المسلمون في فتوحاتهم، فالشعوب رأت - بدل أن تخضع لسلسلة لا تنتهي من المغارم التي تخيلها حرص الأباطرة - أن تخضع لأداء جزية خفيفة يمكن توفيتها بسهولة، وتسلمها بسهولة كذلك" (٨).

وأما من عجز عن دفع هذا المبلغ الزهيد، فإن الفقهاء أسقطوها عنه، يقول ابن القيم: " تسقط الجزية بزوال الرقبة أو عجزها عن الأداء " (٩).

قال القاضي أبو يعلى: "وتسقط الجزية عن الفقير وعن الشيخ وعن الزَمِن [أي صاحب العاهة] " (١٠).


(١) أخرجه الترمذي ح (٦٢٣)، وأبو داود ح (١٥٧٦)، والنسائي ح (٢٤٥٠)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ح (٥٠٩).
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ح (٦١٨)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح ح (٣٩٧٠).
(٣) ذكره البخاري في عنوان باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب، وأخرجه أبو عبيد في الأموال ح (٥٧).
(٤) أخرجه البخاري ح (١٣٩٢).
(٥) فتح الباري (٦/ ٢٦٧).
(٦) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري (١/ ٩٦).
(٧) روح الدين الإسلامي، عفيف طبارة، ص (٤٠٦).
(٨) المصدر السابق، ص (٤٠٧).
(٩) أحكام أهل الذمة (١/ ٢٥٠).
(١٠) الأحكام السلطانية، ص (١٦٠).

<<  <   >  >>