قبل الشروع في تبيان حكم الإسلام في غير المسلمين المقيمين في بلاد المسلمين أرى ضرورة التعريف بأنواعهم وتبيان الملامح الرئيسة والأحكام العامة لكل منهم.
[أ. معنى الكفر]
الكفر: وصف يشمل كل من كذب الرسول عليه الصلاة والسلام، في شيء مما جاء به، أو صدقه وامتنع عن الدخول في الإسلام، يقول ابن تيمية:" الكفر يكون بتكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر به، أو الامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه، مثل كفر فرعون واليهود ونحوهم"(١). فالمقصود به من سوى المسلمين من أهل الملل والأديان؛ سواء كانت كتابية أو وثنية؛ فإن حكم الكفر يشملهم جميعاً؛ إذ لا فرق - وفق الرؤية الإسلامية - بين من يعبد العجل ومن يعبد المسيح؛ إذ كلاهما عبد غيرَ الله، ووقع في الشرك والكفر الذي توعد المسيح عليه الصلاة والسلام فاعله بالنار:{وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصارٍ}(المائدة: ٧٢).
ولا يشكلنَّ على القارئ لآيات القرآن ما يجده من خطاب قرآني رقيق مع أهل الكتاب يميزهم به عن غيرهم من إخوانهم من أهل الشرك، فيظن أن نداءه لهم {يا أهل الكتاب} شهادة لهم بالإيمان، من وهِم ذلك فهو جاهل بطريقة القرآن في الخطاب مع غير المسلمين، إذ لم يرد في القرآن:(يا أيها الذين كفروا) إلا في تصوير حالهم في الآخرة، حين يناديهم الله {يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون}(التحريم: ٧)، وورد مثله صريحاً في مفاصلة المشركين {قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون}(الكافرون: ١ - ٢)، إذ لم يكن من أدب الإسلام أن يخاطب من استيقن كفره بقوله:(يا كافر). قال الله تعالى:{وقولوا للناس حسناً}(البقرة: ٨٣).
وكذلك فإن نداء القرآن {يا أهل الكتاب} يفيد في غاية مقصده أنهم قوم نزل فيهم كتاب من كتب الله، ولا يفيد إيمانهم، ولا حتى سلامة كتبهم - التي يناديهم باسمها - من التحريف والتبديل، ومن ظن أن هذا الخطاب القرآني يلحقهم بالمؤمنين، فقد جهل أصول الإسلام التي صرحت بكفر أهل الكتاب كما في قوله تعالى:{لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة}(البينة: ١).