للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما أحرانا اليوم ونحن نشهد النهضة الإسلامية الجديدة التي جسدتها الصحوة المباركة، ما أحرانا أن نبدد مخاوف الآخرين الذين يعيشون داخل العالم الإسلامي، فصحوتنا وعودتنا إلى ديننا لن تؤدي إلى شيء مما يفرقونه ويحذرونه.

وهذه المخاوف نبددها باستدعاء التجربة التاريخية الفريدة التي عاشها أجدادهم ضمن المجتمع المسلم طوال قرون رغيدة، حفظت للأحفاد حتى اليوم وجودهم وكينونتهم داخل مجتمعنا وضمن حضارتنا.

والموضوع الذي نحن بصدده رسالة نتقدم بها إلى أولئك الذين دأبوا على اتهام الإسلام بالانغلاق، ووصموه بما يكذبه التاريخ، ولا تعشى عن حقائقه الأبصار.

إنه لمن العجب أن يوسم الإسلام بالصفة ونقيضها، فلئن اتهمه بعضهم بالعنف؛ فإن آخرين عابوا عليه نزعته التسامحية ورأوها سبب أفول الدولة الإسلامية، يقول الكونت هنري دي كاستري في كتابه "الإسلام": "تطرف المسلمون في المحاسنة؛ لأنها سهلت العصيان للعصاة، ومهدت لبعض الأسر المستقلة في المغرب الخروج على الجماعة في بلاد الأندلس وبلاد المغرب، وانتهى الأمر - مع المحاسنة - إلى انحلال عناصر المملكة العربية، ومن المرجح أن المسلمين لو عاملوا الأندلسيين كما عامل المسيحيون الأمم السكسونية والواندية؛ لأخلدت إلى الإسلام واستقرت عليه" (١).

ولِمَ نستبق سطور البحث لنصل إلى نتيجته، لِم لا ندع التاريخ يقول كلمته المنصفة في دورتنا الحضارية الفذة التي قدمها أجدادنا الخالدون في تعاملهم مع الآخرين، مستلهمين أسسها وعظمتها من كتاب ربهم وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وشريعة الإسلام الغراء.

وتنتظم هذه الدراسة في تمهيد ومبحثين وخاتمة:

التمهيد: وفيه أعرّف بأنواع الكافرين في بلاد المسلمين والأحكام العامة لكل منهم.

المبحث الأول: وأذكر فيه حقوق غير المسلمين وضماناتهم في المجتمع المسلم، وأعرض لتطبيقات ذلك في التاريخ الإسلامي.

المبحث الثاني: وأتناول فيه مسألة الجزية في الإسلام، وأبين الحق في هذه الشرعة والمقصود منها.

الخاتمة: وألخص فيها أهم ما توصلت إليه الدراسة من نتائج.

وإذ أشكر الله على توفيقه؛ فإني أنسب توفيق هذا العمل إلى أهله، فأشكر السادة العلماء الذين أفدت من كتبهم وعلمهم وسبقهم إلى معالجة هذا الموضوع المهم، وأشرت إليهم في قائمة المراجع اعترافاً بسبقهم وأستاذيتهم، فقد كانت دراساتهم القيمة شمعة أضاءت ومهدت لي الطريق، وكانت سطورهم المباركة الركن الركين الذي قامت على أساساته هذه الدراسة، فلهم مني الشكر والاعتراف بالجميل والسبق.

وأسأل اللهَ أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

د. منقذ بن محمود السقار

مكة المكرمة - صفر - ١٤٢٧هـ

[email protected]


(١) سماحة الإسلام، أحمد الحوفي، ص (٢٠٩).

<<  <   >  >>