للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لذا حُقَّ لآدم ميتز أن يرى الجزية أشبهت ما نسميه اليوم بالخدمة العسكرية، إذ يقول: "وكانت هذه الجزية أشبه بضريبة الدفاع الوطني، فكان لا يدفعها إلا الرجل القادر على حمل السلاح" (١).

ويوافقه المؤرخ توماس أرنولد، فيقول: "ولم يكن الغرض من فرض هذه الضريبة على المسيحيين - كما يريدنا بعض الباحثين على الظن - لوناً من ألوان العقاب لامتناعهم عن قبول الإسلام، وإنما كانوا يؤدونها مع سائر أهل الذمة. وهم غير المسلمين من رعايا الدولة الذين كانت تحول ديانتهم بينهم وبين الخدمة في الجيش، في مقابل الحماية التي كفلتها لهم سيوف المسلمين" (٢).

ويقول ول ديورانت: "ولم تكن هذه الضريبة تفرض إلا على غير المسلمين القادرين على حمل السلاح .. وكان الذميون يعفون في نظير هذه الضريبة من الخدمة العسكرية .. وكان لهم على الحكومة أن تحميهم" (٣).

وينقل الدكتور علي الخربوطلي عن فان فلوتن قوله بأن "الضرائب ليست فادحة بالنسبة لما كانت تقوم به الحكومة العربية من بناء الطرق وحفر الترع وتوطيد الأمن وما إلى ذلك من ضروب الإصلاح، والحقيقة أن الجزية لم تكن عقاباً لأهل الذمة، فهي نظير إعفائهم من الجندية وفي مقابل حماية المسلمين لهم" (٤).

وحين يعجز دافع الجزية عنها فإنها تسقط عنه، لا بل يدفع له من بيت مال المسلمين ما يكفيه ويقوته - كما سبق بيانه -، ويقول أبو الوليد الباجي: " إذا اجتمعت على الذمي جزية سنتين أو أكثر لم تتداخل في قول الشافعي، وتتداخل في قول أبي حنيفة، وتجب عليه جزية سنةٍ واحدةٍ، والظاهر من مذهب مالكٍ أنه إن كان فر منها أخذ منه للسنين الماضية، وإن كان ذلك لعجزٍ لم تتداخل، ولم يبق في ذمته ما يعجز عنه من السنين .. وهذا القول مبني على أن الفقير لا جزية عليه ولا تبقى في ذمته" (٥).

قال القرطبي: "وأما عقوبتهم إذا امتنعوا عن أدائها مع التمكين فجائز، فأما مع تبين عجزهم فلا تحل عقوبتهم، لأن من عجز عن الجزية سقطت عنه، ولا يكلف الأغنياء أداءها عن الفقراء" (٦).

[هـ. كيفية أخذ الجزية]

ولمز الطاعنون في القرآن ما جاء في آية الجزية من حث على أخذها من أهلها {عن يد وهم صاغرون}، واستشنعوا بعض صور أدائها التي نص عليها الفقهاء في كتبهم.

ولتبيان الحق وكشف الباطل نقرأ ما نقله المفسرون في شرح هذه الآية، بعد أن نذكِّر القارئ الكريم بضرورة الاطلاع على أول الآية، حيث جاء فيها {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق


(١) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري (١/ ٧٤).
(٢) الدعوة إلى الإسلام، توماس أرنولد، ص (٥٨).
(٣) قصة الحضارة (١٢/ ١٣٠ - ١٣١).
(٤) الإسلام وأهل الذمة، ص (١٠٧).
(٥) المنتقى شرح موطأ مالك (٢/ ١٧٦).
(٦) الجامع لأحكام القرآن (٨/ ٧٣ - ٧٤).

<<  <   >  >>