للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الله الذي صفاته هي تلك التي عرفها العقل واستيقن منها لا يمكن عقلاً أن يخلق شيئاً عبثاً، أو أن يخلق شيئاً باطلاً، إنما يخلق كل شيء بالحق، والحق يقتضي أن يكون هناك يوم يحاسب فيه الناس على أعمالهم في الحياة الدنيا، لأنه لا يتم الجزاء الحق في الحياة الدنيا كما يرى الإنسان بنفسه.. فكم من ظالم ظل يظلم حتى مات، وكم من مظلوم ظل مظلوماً حتى مات. فلو كانت الحياة الدنيا هي نهاية المطاف فأين الحق؟ إنما يحق الحق حين يبعث الناس فيحاسبون على السيئة والحسنة، ويأخذ كل إنسان جزاءه بالحق.. وإذا كان الأمر على هذه الصورة فإن ((العقل)) يقتضي أن يحسب الإنسان لهذا اليوم حسابه، وأن يعمل من الأعمال ما يقربه من الجنة ويبعده عن النار.. وألا تفتنه اللذة العاجلة عن النعيم المقيم. (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة. فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) .

وهذه الأمور كلها يخاطب فيها الوجدان – مع العقل – لتترتب عليها حركة سلوكية واقعية، ولكن العقل فيها واضح لا يحتاج إلى تأكيد.

ثانياً: يوجه العقل بعد ذلك إلى تدبر آيات الله في الكون للتعرف على أسراره. للتعرف على خواص ذلك الكون، لإمكان تسخيرها لعمارة الأرض. والتسخير قائم من عند الله ابتداء، (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه) ولكن تحقيق هذا التسخير في عالم الواقع لا يتم بمجرد رغبة الإنسان في ذلك، فهو ليس إلهاً يقول للشيء كن فيكون. إنما يتحقق هذا التسخير بجهد معين يبذله الإنسان. جهد عقلي يتعرف به الإنسان على أسرار الكون وخواصه، وجهد عضلي يطبق به الإنسان ثمار معرفته في صورة عمل منتج.

<<  <  ج: ص:  >  >>