للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثالث والسبعون: أنه لو كان ظاهر الكتاب مخالفاً لصريح المعقول لكان في الصدور أعظم حرج منه وضيق، وهذا خلاف المشهود بالباطن لكل ذي عقل سليم، فإنه كلما كان الرجل أتم عقلاً كان الحرج بالكتاب أبعد منه، قال تعالى: لرسوله: (آلمص. كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه) والله تعالى رفع الحرج عن الصدور بكتابه، وكانت قبل إنزال الكتاب في أعظم الحرج والضيق، فلما أنزل كتابه ارتفع به عنها ذلك الحرج، وبقي الحرج والضيق على من لم يؤمن به كما قال تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً) ومن آمن به من وجه دون وجه ارتفع عنه الحرج والضيق من الوجه الذي آمن به دون ذلك الوجه، فمن أقر أنه منزل من عند الله أنزله على رسوله، ولم يقر بأنه كلامه الذي تكلم به، بل جعله مخلوقاً من جملة مخلوقاته، كان في صدره من الضيق والحرج ما يناسب ذلك، ومن أقر بأنه تكلم بشطره وهو المعاني دون شطره الآخر وهو حروفه كان في صدره من الحرج منه ما يناسب ذلك، ومن زعم أنه غير كاف في معرفة الحق، وأن العباد يحتاجون معه إلى معقولات وآراء ومقاييس وقواعد منطقية ومباحث عقلية ففي صدره منه أعظم حرج، وأعظم حرجاً منه من اعتقد أن فيه ما يناقض العقل الصريح، ويشهد العقل بخلافه. وكذلك من زعم أن آياته لا يستفاد منها علم ولا يقين ففي صدره منه من الحرج ما الله به عليم.

قلت: وبهذا الوجه ينتهي ما أردت تسطيره في هذا المبحث، وإني لأرجو أن يكون فيه إعلاءٌ من شأن النصوص الشرعية ودحر للعقل الطاغي إلى داخل حدوده الطبيعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>