تدبر التاريخ إذن هو في الواقع تدبر السنن الربانية في واقعها التاريخي الذي يمتد خلال القرون، وبرؤية الطريقة الواقعية التي تتحقق بها تلك السنن في حياة الأمم والأفراد، لتتحقق العبرة الكاملة في نفوس الناس، فيسايروا هذه السنن ولا يصادموها، ولا يقول قائل لنفسه –على سبيل المثال- ها أنذا قد عشت في المجتمع الفاسد عمري كله وشاركته الفساد فلا أنا أصابني الدمار ولا المجتمع الذي عشت فيه! ولا يقول قائل لنفسه لماذا أجهد نفسي في تقويم المجتمع من انحرافه الخلقي أو الفكري أو الروحي.. ما دام هذا المجتمع يملك القوة العسكرية والقوة السياسية والقوة الاقتصادية التي تسنده وتمنعه من الدمار! ولا يقول قائل لنفسه: ما قيمة ((القيم)) ؟ وما فائدة ((الدين)) ؟ وما معنى ((الأخلاق)) ؟ إذا كان يمكن للمجتمع أن يعيش متماسكاً قوياً بغير ذلك كله عدة قرون؟!. تلك عبرة دراسة التاريخ)) (١) .
ويقول الدكتور فهد الرومي:((ليس ثمة عقيدة تقوم على احترام العقل الإنساني وتعتز به وتعتمد عليه في ترسيخها كالعقيدة الإسلامية، وليس ثمة كتاب أطلق سراح العقل وغالى بقيمته وكرامته كالقرآن الكريم كتاب الإسلام بل إن القرآن ليكثر من استثارة العقل ليؤدي دوره الذي خلقه الله له.
ولذلك نجد عبارات (لعلكم تعقلون) و (لقومٍ يتفكرون) و (لقومٍ يفقهون) ونحوها تتكرر عشرات المرات في السياق القرآني لتؤكد النهج القرآني الفريد في الدعوة إلى الإيمان وقيامه على احترام العقل.
ولقد أبرز الإسلام مظاهر تكريمه للعقل واهتمامه به في مواضع عدة نذكر منها:-
أولاً: قيام الدعوة إلى الإيمان على الإقناع العقلي:
فلم يطلب الإسلام من الإنسان أن يطفئ مصباح عقله ويعتقد بل دعاه إلى إعمال ذهنه وتشغيل طاقته العقلية في سبيل وصولها إلى أمور مقنعة في شؤون حياتها، وقد وجه الإسلام هذه الطاقة بتوجيهات عدة لتصل إلى ذلك: