وإذا كان كذلك فإذا قيل له في مثل هذا: لا تعتقد ثبوت ما علمت أنه أخبر به لأن هذا الاعتقاد ينافي ما علمت به أنه صادق؛ كان حقيقة الكلام: لا تصدقه في هذا الخبر لأن تصديقه يستلزم عدم تصديقه، فيقول: وعدم تصديقي له فيه هو عين اللازم المحذور، فإذا قيل: لا تصدقه لئلا يلزم أن لا تصدقه، كان كما لو قيل: كذبه لئلا يلزم أن تكذبه. فيكون المنهي عنه هو المخوف المحذور من فعل المنهي عنه، والمأمور به هو المحذور من ترك المأمور به. فيكون واقعاً في المنهي عنه، سواء أطاع أو عصى، ويكون تاركاً للمأمور به سواء أطاع أو عصى، ويكون وقوعه في المخوف المحذور على تقدير الطاعة لهذا الآمر الذي أمره بتكذيب ما تيقن أن الرسول أخبر به أعجل وأسبق منه على تقدير المعصية، والمنهي عنه على التقدير هو التصديق، والمأمور به هو التكذيب، وحينئذ فلا يجوز النهي عنه، سواء كان محذوراً أو لم يكن، فإنه إن لم يكن محذوراً لم يجز أن ينهى عنه، وإن كان محذوراً فلابد منه على التقديرين، فلا فائدة في النهي عنه، بل إذا كان عدم التصديق هو المحذور كان طلبه ابتداء أقبح من طلب غيره لئلا يُفضي إليه، فإن من أمر بالزنا كان أمره به أقبح من أن يأمر بالخلوة المفضية إلى الزنا.
فهكذا حال من أمر الناس أن لا يصدقوا الرسول فيما علموا أنه أخبر به، بعد علمهم أنه رسول الله؛ لئلا يفضي تصديقهم له إلى عدم تصديقهم له، بل إذا قيل له: لا تصدقه في هذا، كان هذا أمراً له بما يناقض ما علم به صدقه، فكان أمراً له بما يوجب أن لا يثق بشيء من خبره، فإنه متى جوز كذبه أو غلطه في خبر جوز تلك في غيره.