للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

والرسل صادقون مصدوقون لا يجوز أن يكون خبرهم على خلاف ما أخبروا به قط، والذين يعارضون أقوالهم بعقولهم عندهم من الجهل والضلال ما لا يحصيه إلا ذو الجلال، فكيف يجوز أن يعارض ما لم يخطئ قط بما لم يصب في معارضته له قط؟ .

الوجه الحادي عشر: أن يقال: تقديم المعقول على الأدلة الشرعية ممتنع متناقض، وأما تقديم الأدلة الشرعية فهو ممكن مؤتلف، فوجب الثاني دون الأول، وذلك لأن كون الشيء معلوماً بالعقل، أو غير معلوم بالعقل، ليس هو صفة لازمة لشيء من الأشياء، بل هو من الأمور النسبية الإضافية، فإن زيداً قد يعلم بعقله مالا يعلمه بكر بعقله، وقد يعلم الإنسان في حال يعقله ما يجهله في وقت آخر.

والمسائل التي يقال إنه قد تعارض فيها العقل والشرع جميعها مما اضطرب فيه العقلاء، ولم يتفقوا فيها على أن موجب العقل كذا، بل كل من العقلاء يقول: إن العقل أثبت، أو أوجب، أو سوغ ما يقول الآخر: إن العقل نفاه، أو أحاله، أو منع منه، بل قد آل الأمر بينهم إلى التنازع فيما يقولون إنه من العلوم الضرورية، فيقول هذا: نحن نعلم بالضرورة العقلية ما يقول الآخر: إنه غير معلوم بالضرورة العقلية.

كما يقول أكثر العقلاء: نحن نعلم بالضرورة العقلية امتناع رؤية مرئي من غير معاينة ومقابلة، ويقول طائفة من العقلاء: إن ذلك ممكن.

ويقول أكثر العقلاء: إن كون الموصوف عالماً بلا علم قادراً بلا قدرة حياً بلا حياة ممتنع في ضرورة العقل، وآخرون ينازعون في ذلك.

ويقول أكثر العقلاء: إن كون الشيء الواحد أمراً نهياً خبراً ممتنع في ضرورة العقل، وآخرون ينازعون في ذلك.

ويقول أكثر العقلاء: إن كون العقل والعاقل والمعقول، والعشق والعاشق والمعشوق، الوجود والموجود والوجوب والعناية أمراً واحداً، هو ممتنع في ضرورة العقل، وآخرون ينازعون في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>