للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

بل غير هذا الباب من الأحاديث، كالأحاديث المروية في فضائل الأعمال على وجه المجازفة، كما يروى مرفوعاً: ((أنه من صلى ركعتين في يوم عاشوراء يقرأ فيها بكذا وكذا كُتب له ثواب سبعين نبياً)) (١) ونحو ذلك، هو عند أهل الحديث من الأحاديث الموضوعة، فلا يعلم حديث واحد يخالف العقل أو السمع الصحيح إلا وهو عند أهل العلم ضعيف، بل موضوع، بل لا يعلم حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمر والنهي أجمع المسلمون على تركه، إلا أن يكون له حديث صحيح يدل على أنه منسوخ، ولا يعلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث صحيح أجمع المسلمون على نقيضه، فضلاً عن أن يكون نقيضه معلوماً بالعقل الصريح البيّن لعامة العقلاء، فإن ما يُعلم بالعقل الصريح البيّن أظهر مما لا يعلم إلا بالإجماع ونحوه من الأدلة السمعية.

فإذا لم يوجد في الأحاديث الصحيحة ما يعلم نقيضه بالأدلة الخفية كالإجماع ونحوه، فأن لا يكون فيها ما يعلم نقيضه بالعقل الصريح الظاهر أولى وأحرى، ولكن عامة موارد التعارض هي من الأمور الخفية المشتبهة التي يحار فيها كثير من العقلاء، كمسائل أسماء الله وصفاته وأفعاله، وما بعد الموت من الثواب والعقاب والجنة والنار والعرش والكرسي، وعامة ذلك من أنباء الغيب التي تقصر عقول أكثر العقلاء عن تحقيق معرفتها بمجرد رأيهم، ولهذا كان عامة الخائضين فيها بمجّرد رأيهم إما متنازعين مختلفين، وإما حيارى منهوكين، وغالبهم يرى أن إمامة أحذق في ذلك منه.


(١) ذكر محمد بن طاهر الهندي في تذكرة الموضوعات ص ٤٣ الحديث التالي ((من صلى يوم عاشوراء أربعين ركعة بعد الظهر يقرأ في كل ركعة آية الكرسي عشر مرات، والإخلاص إحدى عشرة مرة، والمعوذتين خمس مرات)) . وقال: إنه موضوع. وفي الآلئ: ((فضل أربع ركعات بالفاتحة والإخلاص خمسين مرة يوم عاشوراء)) . وقال إنه موضوع. وانظر: الفوائد المجموعة، ص ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>