للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا مناقضة في ذلك، ولكن حقيقته أنه قد تعارض العقل الدال على صدق الرسول والعقل المناقض لخبر الرسول، فقدّمنا ذلك المعقول على هذا المعقول، كما نقدّم الأدلة على صدق الرسول على الحجج الفاسدة والقادحة في نبوات الأنبياء، وهي حجج عقلية. بل شبهات المبطلين القادحين في النبوات قد تكون أعظم من كثير من الحجج العقلية التي يعارض بها خبر الأنبياء عن أسماء الله وصفاته وأفعاله ومعاده، فإذا كان تقديم الأدلة العقلية الدالة على أنهم صادقون في قولهم: ((أن الله أرسلهم)) مقدمة على ما يناقض ذلك من العقليات، كذلك تقديم هذه الأدلة العقلية المستلزمة لصدقهم فيما أخبروا به على ما يناقض ذلك من العقليات، وعاد الأمر إلى تقديم جنس من المعقولات على جنس.

وهذا متفق عليه بين العقلاء، فإن الأدلة العقلية إذا تعارضت فلابد من تقديم بعضها على بعض، ونحن نقول: لا يجوز أن يتعارض دليلان قطعيان: لا عقليان ولا سمعيان، ولا سمعي وعقلي، ولكن قد ظن من لم يفهم حقيقة القولين تعارضهما لعدم فهمه لفساد أحدهما.

فإن قيل: نحن نستدل بمخالفة العقل للسمع على أن دلالة السمع المخالفة له باطلة، إما لكذب الناقل عن الرسول، أو خطئه في النقل، وإما لعدم دلالة قوله على ما يخالف العقل في محل النزاع.

قيل: هذا معارض بأن يقال: نحن نستدل بمخالفة العقل للسمع على أن دلالة العقل المخالفة له باطلة لبطلان بعض مقدماتها، فإن مقدمات الأدلة العقلية المخالفة للسمع فيها من التطويل والخفاء والاشتباه والاختلاف والاضطراب ما يوجب أن يكون تطرق الفساد إليها أعظم من تطرقه إلى مقدمات الأدلة السمعية.

ومما يبين ذلك أن يقال: دلالة السمع على مواقع الإجماع مثل دلالته على موارد النزاع، فإن دلالة السمع على علم الله تعالى وقدرته وإرادته وسمعه وبصره، كدلالته على رضاه ومحبته وغضبه واستوائه على عرشه ونحو ذلك، وكذلك دلالته على عموم مشيئته وقدرته كدلالته على عموم علمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>