للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعلوم أنه إذا قدر في شخص من الأشخاص أنه لم يتكلم في أمر الإيمان بالله واليوم الآخر: لا بحق ولا بباطل، ولا هدى ولا ضلال، بل سكت عن ذلك، لم يكن قد هدى الناس، ولا أخرجهم من الظلمات إلى النور، ولا بيّن لهم، ولا كان معه ما يستضئ به السالك المستدل.

فإن قدّر أن هذا الشخص تكلم بما يُفهم منه نقيض الحق، وبما يدل على ضد الصواب، وكان مدلول كلامه في ذلك معلوم الفساد بصريح العقل –لكان هذا الشخص قد أضل بكلامه وما هدى، وكان مخرجاً لمن اتبعه بكلامه من النور إلى الظلمات، كحال الطاغوت الذين قال الله فيهم: (والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) .

ومن زعم أن ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة، قد عارضه صريح المعقول الذي يجب تقدمه عليه، فقد جعل الرسول شبيهاً بالشخص الثاني الذي أضل بكلامه من وجه، ويجعله بمنزلة من جعله كالساكت الذي لم يضل ولم يهد من وجه آخر.

فإنه إذا زعم أن الحق والهدى هو قول نفاة الصفات الذي يعلم بالعقل عنده، فمعلوم أن كلام الله ورسوله لم يدل على قول النفاة دلالة يحصل بها الهدى والبيان للمخاطبين بالقرآن. إن كان قول النفاة هو الحق.

ومعلوم أن كلام الله ورسوله دل على إثبات الصفات المناقض لقول النفاة، دلالة بيّنة بقول جمهور الناس: إنها دلالة قطعية على ذلك.

والمعتزلة ونحوهم من النفاة معترفون بأنها دلالة ظاهرة، فإذا كان الرسول لم يظهر للناس إلا إثبات الصفات دون نفيها، وكان الحق في نفس الأمر نفيها، لكان بمنزلة الشخص الذي كتم الحق وذكر نقيضه.

وهذا خلاف ما نعته الله في كتابه، فدل على أن هذه الطريق التي يسوغ فيها تقديم عقول الرجال –في أصول التوحيد والإيمان- على كلام الله ورسوله. تناقض دين الرسول مناقضة بينة، بل مناقضة معلومة بالاضطرار من دين الإسلام، لمن تدبر حقيقة هذا القول، وعرف غائلته ووباله.

<<  <  ج: ص:  >  >>