للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا تبين أن من أعرض عن الكتاب وعارضه بالمعقولات، لابد له من كتمان أو كذب أو تحريف أو أمية، مع عدم علم، وهذه الأمور كلها مذمومة – دل ذلك على أن هؤلاء مذمومون في كتاب الله، كما ذم الله أشباههم من أهل الكتاب، وأن هؤلاء وأمثالهم دخلوا في قوله - صلى الله عليه وسلم -، الذي ثبت عنه في الصحيح، الذي قال فيه: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القُذّة بالقُذَّة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)) . قالوا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: ((فمن؟)) (١) .

الوجه الثلاثون: وهو أن يقال: الذين يعارضون كلام الله وكلام رسوله بعقولهم: إن كانوا من ملاحدة الفلاسفة والقرامطة. قالوا: إن الرسل أبطنت خلاف ما أظهرت لأجل مصلحة الجمهور. حتى يؤول الأمر بهم إلى إسقاط الواجبات واستحلال المحرمات: إما للعامة. وإما للخاصة دون العامة. ونحو ذلك مما يعلم كل مؤمن أنه فاسد مخالف لما علم بالاضطرار من دين الإسلام. وإن كانوا من أهل الفقه والكلام والتصوّف الذين لا يقولون ذلك. فلابد لهم من التأويل الذي هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح.

ولفظ ((التأويل)) يراد به التفسير، كما يوجد في كلام المفسرين: ابن جرير وغيره ويراد به حقيقة ما يؤول إليه الكلام. وهو المراد بلفظ التأويل في القرآن.

وهذان الوجهان لا ريب فيهما. والتأويل بمعنى التفسير والبيان كان السلف يعلمونه ويتكلمون فيه.

وأما بالمعنى الثاني. فمنه ما لا يعلمه إلا الله. ولهذا كانوا يثبتون العلم بمعاني القرآن.وينفون العلم بالكيفية. كقول مالك وغيره الاستواء معلوم. والكيف مجهول.

فالعلم بالاستواء من باب التفسير، وهو التأويل الذي نعلمه. وأما الكيف فهو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله، وهو المجهول لنا.


(١) البخاري (٤/١٦٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>