للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه السابع والخمسون: أن المعارضة بين العقل ونصوص الوحي، لا تتأتى على قواعد المسلمين، المؤمنين بالنبوة حقاً، ولا على أصول أحد من أهل الملل، المصدقين بحقيقة النبوة، وليست هذه المعارضة من الإيمان بالنبوة في شيء، وإنما تتأتى هذه المعارضة، ممن يقر بالنبوة على قواعد الفلسفة، ويجريها على أوضاعهم وأن الإيمان بالنبوة عندهم، هو الاعتراف بموجود حكيم، له طالع مخصوص يقتضي طالعه أن يكون متبوعاً، فإذا أخبرهم بما لا تدركه عقولهم عارضوا خبره بعقولهم، وقدموها على خبره، فهؤلاء هم الذين عارضوا بين العقل ونصوص الأنبياء فعارضوا نصوص الأنبياء في باب الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، في هذه الأصول الخمس بعقولهم فلم يصدقوا بشيء منها على طريقة الرسل، ثم سرت معارضتهم في المنتسبين إلى الرسل، فتقاسموها تقاسم الوارث لتركه مورثهم، فكل طائفة كان الوحي على خلاف مذهبهم وقول من قلدوه لجأوا إلى هذه المعارضة، واعتصموا بها دون نصوص الوحي، ومعلوم أن هذا يناقض الإيمان بالنبوة، وإن تناقض القائل به فغايته أن يثبت كون النبي رسولاً للعمليات دون العلميات أو في بعض العلميات التي أخبر به دون البعض وهذا أسوأ حالاً ممن جعله رسولاً إلى بعض الناس دون بعض، فإن القائل بهذا يجعله رسولاً في العلميات والعمليات، ولا يعارض بين خبره وبين العقل، وإن تناقض في جحده عموم رسالته بالنسبة إلى كل مكلف، فهذا جحد عموم رسالته إلى المدعوين وذاك جحد عموم رسالته في المدعو إليه المخبر به ولم يؤمن في الحقيقة برسالته لا هذا ولا هذا، فإنه يقال لهذا: إن كان رسول الله إلى هؤلاء حقاً فهو رسوله إلى الآخرين قطعاً لأنه أخبر بذلك، ومن ضرورة تصديقه الإيمان بعموم رسالته، ويقال للآخر: إن كان رسول الله في العمليات وإنها حق من عند الله فهو رسوله في العلميات فإنه أخبر عنه بهذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>