للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

.. وهذا كثير، وهذا مثل لفظ السمع فإنه في الأصل مصدر سمع يسمع سمعاً وكذلك البصر فإنه مثل الأبصار ثم يعبر بهذه الألفاظ عن القوى التي يحصل بها الإدراك فيقال للقوة التي في العين بصر والقوة التي يكون بها السمع وبهذين الوجهين يفسر المسلمون العقل. ومنهم من يقول العقل هو من جنس العلم كما يقوله القاضي أبو بكر ابن الباقلاني وأبو الطيب الطبري وأبو يعلى بن الفراء ومنهم من يقول هو الغريزة التي بها يتهيأ العلم كما نقل ذلك عن الإمام أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي ويدخل ذلك في العقل العلمي وهو العمل بمقتضى العلم. وأما تسمية الشخص العاقل عقلاً أو الروح عقلاً فهذا وإن كان يسوغ نظيره في اللغة فقد يسمون الفاعل الشخصي بالمصدر فيسمى عدلاً وصوماً وفطراً فليس هذا من الأمور المطردة في كلامهم فلا يسمون الآكل والشارب أكلاً وشرباً ولو كان ذلك مما يسوغ في القياس بحيث يسوغ أن يسمى كل فاعل باسم مصدره فهذا إنما يسوغ في الاستعمال لا في الاستدلال، فليس لأحد أن يضع هو مجازاً لنفسه يحمل عليه كلام الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وكلام من تكلم قبله، إذ المقصود بالكلام هو فهم مراد المتكلم سواء كان لفظه يدل على المعنى وهو الحقيقة أو لا يدل إلا مع القرينة وهو المجاز. فليس لأحد أن يسمي الجوهر القائم بنفسه عقلاً ثم يحمل عليه كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومعلوم بالاضطرار لمن يعرف لغة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين الذين يتكلمون بلغته أن هذا ليس هو مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - في اسم العقل فليس هذا مراد المسلمين باسم العقل ولا يوجد ذلك في استعمال المسلمين وخطابهم. وإذا كان كذلك لم يجز أن يتمسكوا بشيء من كلام الرسول الذي فيه لفظ العقل –لو كان ثابتاً- على إثبات الجوهر الذي يسمونه عقلاً. ومن تدبر ما يوجد في كلام المسلمين عامتهم وخاصتهم سلفهم وأئمتهم وفقهائهم ومحدثيهم وصوفيتهم ومفسريهم

<<  <  ج: ص:  >  >>