للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك لم يكن العلم وحده ولا المنهج التجريبي وحده.. يقول.. بريفولت: ((لقد كان العلم أهم ما جادت به الحضارة العربية (يقصد الإسلامية) على العالم الحديث، ولكن ثماره كانت بطيئة النضج.. إن العبقرية التي ولدتها ثقافة العرب في أسبانيا، لم تنهض في عنفوانها إلا بعد وقت طويل من اختفاء تلك الحضارة وراء سحب الظلام. ولم يكن العلم وحده هو الذي أعاد أوربا إلى الحياة. بل إن مؤثرات أخرى كثيرة من مؤثرات الحضارة الإسلامية بعثت باكورة أشعتها إلى الحياة الأوربية. فإنه على الرغم من أنه ليس ثمة ناحية واحدة من نواحي الازدهار الأوربي إلا ويمكن إرجاع أصلها إلى مؤثرات الثقافة الإسلامية بصورة قاطعة، فإن هذه المؤثرات توجد أوضح ما تكون وأهم ما تكون، في نشأة تلك الطاقة التي تكون ما للعالم الحديث من قوة متمايزة ثابتة، وفي المصدر القوي لازدهاره: أي في العلوم الطبيعية وروح البحث العلمي)) (١) .

ويطول بنا الاستطراد لو رحنا نحصي بالتفصيل ما أخذته أوربا في بدء نهضتها من الإسلام والمسلمين، ولكنا نعود إلى موضوعنا الأصيل فنقول إن أوربا أخذت ما أخذت ولكنها رفضت أن تأخذ الإسلام ذاته عقيدة ومنهج حياة، وعادت إلى الجاهلية الإغريقية والرومانية تستمد منهما بدلاً من الدين الكنسي الذي لفظته، والدين الصحيح الذي رفضت بدافع العصبية أن تدخل فيه. ومن ثم عادت – كما قلنا – إلى العقلانية اليونانية بزيادة انحراف جديد هو النفور من الدين والسعي إلى إخراجه من مجالات الفكر والحياة.

لقد كانت الجاهلية الإغريقية جاهلية وثنية خالصة في واقع حياتها، ولكن ((المفكرين)) و ((الفلاسفة)) فكروا في الله سبحانه وتعالى، وحاولوا تصوره على قدر ما اجتهدت عقولهم، فاهتدوا إلى وحدانيته وكماله وجلاله، ولكن تشعبت بهم الظنون في متاهات لا قرار لها حين أخذوا يصفون كنة هذا الكمال وهذا الجلال، كما مر بنا من تصور أرسطو.


(١) المصدر السابق، ص ١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>