للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يجعلوه بديلاً من السبب الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالى، ولم يستغنوا به عن الله، ولم يتصوروا أن له حتمية تقيد مشيئة الله الطليقة بحيث يعجز سبحانه عن التصرف في الكون بما يشاء، كما توهم نيوتن ومن بعده.

إنما عرفوا أن هذا ((السبب الظاهر)) هو ((السنة الجارية)) التي تجري شئون الكون المادي من خلالها، ومن ثم فهي ليست بديلاً من الله سبحانه وتعالى، وهي جزء من مشيئته، ولا تعارض بين تفسير أي أمر من أمور هذا الكون بسببه الظاهر وتفسيره بأنه راجع إلى مشيئة الله، ما دام السبب الظاهر أو ((السنة الجارية)) من مشيئة الله، ومن ثم فلا تعارض بين ما سموه ((الطبيعة)) وما سموه ((ما وراء الطبيعة)) بحيث يمتنع عليك الإيمان بهذه وتلك في آن واحد كما توهمت عقلانية ما بعد النهضة في أوربا، نتيجة أن ما وراء الطبيعة في ظل السيطرة الكنسية والحجر على العقل كان ينفي الأسباب الظاهرة أو لا يعول عليها في تفسير أمر من أمور الكون، وأن اكتشاف ((السبب الظاهر)) جاء في جو من العداء للدين والكنيسة، فوضع – من ثم – مناهضاً ومعادياً لما وراء الطبيعة، بالإضافة إلى أن القوم هناك ظلوا – في ظل الإيمان بما وراء الطبيعة على الطريقة الكنسية – في جهل مطبق بكثير مما يحيط بهم في هذا الكون، بينما جاء اكتشاف السبب الظاهر في وسط معلومات عن هذا الكون، وكما لم تكن معرفة المسلمين المبكرة بالأسباب الظاهرة وثبوت السنة الجارية مانعاً لهم من الإيمان بالمعجزات التي جاءت في الكتب المنزلة، كذلك لم يكن إيمانهم بالمعجزات داعياً إلى الخرافة، ولا الاعتقاد بأن الكون فوضى لا يضبطه ضابط ولا يربطه نظام. و ((العلم)) الذي أخرجوه هو البرهان على ذلك. فقد كان هذا العلم من الدقة والانضباط –بحسب المتاح في وقته من الأدوات- لدرجة شهد لها كل منصف في التاريخ. ولكه شاهد بأن المسلمين كانوا يتعاملون مع هذا الكون على أساس أن هناك نظاماً دقيقاً يربطه. نظاماً من

<<  <  ج: ص:  >  >>