للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

إن المنهج التجريبي الذي تعلمته أوربا من المسلمين لم يؤت ثماره الظاهرة في ميدان العلم إلا في القرن التاسع عشر على وجه التقريب، ولكنه تحول عندهم إلى فتنة طاغية.. لأن أوربا أخذته دون أن تأخذ القاعدة الإيمانية التي كان يقوم عليها عند المسلمين، وهي قاعدته الأصلية. فكأنه نبات انتزع من بيئته انتزاعاً وغرس في بيئة أخرى لا تناسب الأولى، ولا تشبهها في مكوناتها ومقوماتها، فطال وارتفع، ولكنه أثمر ثماراً شيطانية غير الثمار الطيبة التي كان يؤتيها من قبل.

ولم يشعر المسلمون أن تفكرهم في آيات الله في الكون من أجل إخلاص العبادة له، مانع لهم من البحث عن السنن الكونية الربانية من أجل عمارة الأرض، ولم يشعروا كذلك أن البحث عن هذه السنن من أجل عمارة الأرض مانع لهم من إخلاص العبادة لله. لأنه لا تعارض في الحقيقة. والله يقول لهم: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) .

ولا نستطيع أن نختم الحديث عن عقلانية الجاهلية، والعقلانية المعاصرة بصفة خاصة، قبل أن نشير إلى قولة عجيبة وردت في كتاب من كتب سارتر، الكاتب الوجودي المعروف، ذات صلة بالموضوع ودلالة لا تحتاج إلى تعليق! وسارتر يهودي وإن كان كثير من الناس لا يعلمون ذلك! يقول في كتاب (تأملات في المشكلة اليهودية: إن اليهود متهمون بتهم ثلاث كبرى، هي عبادة الذهب، وتعرية الجسم البشري، ونشر العقلانية المضادة للإلهام الديني، ويقول إن التهم كلها صحيحة! ثم يروح يقدم لكل منها ما يقدر عليه من المعاذير.

قال عن عبادة الذهب إن اليهود مضطهدون في كل الأرض وكل التاريخ، وإنهم لابد أن يسعوا إلى امتلاك القوة ليقاوموا هذا الاضطهاد. والوسيلة التي لجئوا إليها هي السعي إلى امتلاك الذهب وتجميعه ليكون لهم عدة وقوة! .

<<  <  ج: ص:  >  >>