وقال شيخ الإسلام ابن تيمية منكراً على أبي يعلى روايته لبعض تلك الأحاديث الضعيفة في الصفات ((والمقصود هنا أن ما لم يكن ثابتاً عن الرسول لا نحتاج أن ندخله في هذا الباب سواء احتيج إلى تأويل أو لم يحتج)) (١) .
لكن لا يعني رواج تلك الأحاديث على قلة من العلماء –غير المحدّثين- اجتهدوا في إدخالها ضمن عقائد السلف أن ندع الحديث جملة ونفر منه إلى غيره. فهل هذا إلا تولية للأدبار عن الدين كله؟ بل كان الأولى بهؤلاء أن يجتهدوا في معرفة الأحاديث الصحيحة التي لا تعارض المعقول أبداً ويميزوا بينها وبين ضعيف الحديث كما فعل جهابذة الحديث ونقاده الذي اصطفاهم الله لذلك.
واعلم أن هذا الاختلاط في الأحاديث كان لِحكَم لا يحصيها إلا الله سبحانه: منها أن يظل كلامه تعالى متميزاً عن غيره من كلام البشر ولو كان كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومنها أن تكون فتنة للجهلة وأصحاب القلوب المريضة وامتحاناً يميز الله فيه الخبيث من الطيب، ومنها أن تظهر براعة علماء الحديث. ومنها أن يأجرهم الله تعالى على صبرهم واجتهادهم في تمييز الأحاديث، ومنها أن يتنافس العلماء في الصالحات، ومنها أن تكثر العلوم الإسلامية وتتنوع وينتشر لأجل ذلك طلب العلم والسعي فيه، ومنها أن يظهر فضل هذه الأمة في حفظ دين نبيها وأقواله والحرص على جمعها وتهذيبها بخلاف غيرها من الأمم ممن حرف وبدل، ومنها أن يغتاظ الشيطان وحزبه إذا رأوا هذا الجد من الأمة في حفظ سنة نبيها - صلى الله عليه وسلم -، وحكم أخرى غيرها.