للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذن ... هذا هو حال العقلانيين الأوائل في هذه الأمة. فرقة سادت قليلاً ثم بادت. قال الدكتور مصطفى الشكعة ((أما المعتزلة فقد اندثر حزبهم كمذهب قائم بذاته فلم نعد في عصرنا الحديث نسمع عن الواصلية أو الهذيلية أو النظامية أو الجاحظية أو البشرية أوا لجبائية إلى غير ذلك من المدارس الاعتزالية الفرعية. وإنما ذاب المذهب في تعاليم الشيعة الإمامية والشيعة الزيدية بحيث أخذ المذهبان أطيب ما عند المعتزلة من أفكار! واطرحا ما قد توسط فيه علماء الاعتزال من تطرف واندفاع)) (١) .

قلت: ولكن بقيت من أصولها الفكرية الأصل الذي يغالي في دور العقل في أمور الشريعة وأصبح مناراً يهدي العقلانيين إلى سبيل الرشاد! ويدفعهم عن طريق الفساد!.

ثم جاء بعد المعتزلة آحاد الفلاسفة الإسلاميين المفترقين مكاناً وزماناً فزادوا في الميل إلى تلك المعقولات فكانت هي رأس مالهم. ولقد كانوا كما قال أحمد أمين ((فلاسفة أولاً ودينيين آخراً. لا ينظرون إلى الدين إلا عند ما تتعارض نظرية فلسفية مع الدين فيجدوا للتوفيق بينهما)) (٢) . فلذا لم يؤثروا في حياة المسلمين كتأثير المعتزلة الذي خلطوا الدين بالكلام وموًّهواً على المسلمين بنصرة دينهم. وإنما اندثرت أفكارهم النظرية بموتهم فلم تبن مجتمعاً ولم تُقم على سلطة ولكنهم تلازموا وإياهم في تعظيم (العقل) لأنه كما قلت بضاعتهم الوحيدة، فهذا الرازي يتحدث كثيراً عن العقل في كتبه. ويأتي بعده ابن سيناء فيغلو في العقل إلى أن أطلقه على الله تبارك وتعالى. وأقربهم مودة إلى العقلانيين فيلسوف المغرب ابن رشد.


(١) إسلام بلا مذاهب (٦١٩) .
(٢) ضحى الإسلام (٣/٢٠٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>