للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

((إن العقل يقف في سلسلة من الأسئلة الغائبة عنه إلى حد لا يستطيع أن يتجاوزه... وإلى مجال من الكون لن يخترقه، وذلك لأن حواسه تتركه عند حد تعجز بعده من مرافقته في سيره الطويل لمعرفة كل شيء.. وللإحاطة التامة به... فأنا أستطيع أن أعرف كيف يشتعل عود من الحطب، فأرى لون النار وأشم رائحتها... وأسمع حسيسها، وأستطيع أن أدرك أسباباً بسيطة لذلك.. ولكنني أصل إلى حد من الأسئلة ليس لها عندي جواب مقنع إلا التسليم والعجز، هذا التسليم الذي يظهر واضحاً في أن ذلك من صفة الشيء دون أن أستطيع معرفة لم كان ذلك من صفة هذا الشيء ولم يكن من صفة غيره؟ ....لم كانت نتائج الاحتراق الحرارة.. ولم تكن البرودة؟؟! ولم اشتعل الحطب في الدرجة المعينة له ولم يشتعل القصدير في تلك الدرجة؟ ... ولم كانت الرائحة من نتيجة الاحتراق؟ كل ذلك وغيره لا يجاب عنه إلا بما قال الله تعالى لنا: (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا) فمن هذا نعلم أن مجال عمل العقل هو المادة وصفاتها وكل عمل للعقل فيما وراء ذلك إنما هو فيما وراء الحس مباشرة، لأنه عند ذلك يخترق مجاله الطبيعي ويفقد المادة الأولية التي يعتمد عليها في بحثه ذلك، ولذلك فإن القرآن الكريم كان يوجه النظر دائماً إلى ما يحس في الكون، سمائه وأرضه، إنسانه وحيوانه، ولم تر آية واحدة وجهت النظر لما هو وراء الحس.. فيقول تعالى: (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) .. (فلينظر الإنسان إلى طعامه) . (فلينظر الإنسان ممَّ خُلق) الخ)) . ((إن العقل محدود بالمادة وقوانينها وصفاتها ويمكننا أن نلخص حدود العقل بالأمور التالية:

بالزمان: لأن الزمان إنما هو صورة عن تغير المادة.

بالمكان: لأن المكان صفة المادة في تحيزها.

وبالحجم والوزن: لأن المادة لا تظهر لنا إلا بهذه الصفات.

<<  <  ج: ص:  >  >>