للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

١١-قال أبو الحسن الندوي ((إن العقل وحده عاجز عن أداء وظيفته الطبيعية بل هو مضطر إلى الاستعانة بأشياء هي أقل منه قيمة، ففي إدراك ما لم يدركه العقل من قبل، يحتاج إلى استخدام المعلومات التي حصلت له مسبقاً، ولا تكون هذه المقدمات إلا المحسوسات فلو حللت المعقولات كلها تحليلاً دقيقاً، وسمعت قصة رحلة العقل الطريفة والطويلة المدى، عرفت أن وسيلة العقل في اكتشاف العوالم الجدد والغوص في البحار المجهولة، إنما هي هذه المحسوسات التي تبدو تافهة حقيرة، والمعلومات البدائية التي لولاها ولولا ترتيبها ترتيباً خاصاً، لما وصل العقل إلى هذه النتائج الخطيرة ذات القيمة الكبيرة، فحيث تشلُّ الحواس البشرية، وحيث لا تكون لدى الإنسان ذخيرة من معلومات، وإذا كان في أمر على جهل تام بمباديه، فهناك يعجز عقله عن شق الطريق إلى الأمام، والوصول إلى نتيجة في هذا الموضوع كما يعجز أحدنا عن أن يعبر البحر من غير سفينة، وأن يطير في الجو من غير طائرة.

فإن شئت جربت ولا تخطئك التجربة، هب أن رجلاً ذكياً فطناً ليست له معرفة بمبادئ العلوم الرياضية الأولية، حتى أنه لا يعرف العدد، لا يستطيع مثل هذا الرجل أن يحل معضلة من المعضلات الرياضية، ولو كان على جانب كبير من الذكاء والألمعية كذلك من لم يكن عنده معرفة بالأصول الموضوعة في علم الأقليدس لن يسعه أن يثبت شكلاً من الأشكال، ولو كان هذا الرجل على قمّة من الذكاء والفطانة، كذلك إذا كان الرجل يجهل حروف لغة من اللغات وخطها، لم يستطع أن يقرأ سطراً من السطور التي كتبت في هذه اللغة، ولو صبّ ذكاءه وأمعن في القياس، فالذي لا يعرف مفردات لغة لا يستطيع أن يفهم عبارة من عبارات هذه اللغة بمجرد ذكائه أو بقوة قياسه، وعلى ذلك تقاس مبادئ كل فن وعلم)) (١) .


(١) بين الدين والمدنية (١٥) . وانظر كتاب (الإسلام والعقل) لعبد الحليم محمود، ففيه يشن حملة شديدة على العقل.
قلت: فإذا كان العقل البشري كما رأيت من الضعف والقصور فكيف يقول عاقل بتقدمه على كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهل هذا إلا من تقديم الناقص على الكامل، والمفضول على الفاضل؟ .

<<  <  ج: ص:  >  >>