وفي نهار الخميس خامس جمادى الأولى، سافر إلى اصطنبول القبجي المذكور. وقد ظنت الناس أن أسعد باشا ابن أخي سليمان باشا يفعل أمراً في القبجي وفي فتحي الدفتردار فلم يقع منه شيء وسيأتي تدبيره في تدمير الدفتردار قريباً.
وفي آخر جمادى الثانية جاء خبر من الدولة العلية في طلب فتحي أفندي الدفتردار، فسار صحبة القبجي الذي جاء في طلبه.
وفي خامس يوم رجب تعصبت أعيان الشام، وعملوا عرضاً في فتحي أفندي بأنه من المفسدين، وما تم الأمر معهم لاختلاف كلمتهم.
وفي ليلة الثالثة والعشرين من رجب بعد العشاء انشقت السماء ونزل منه آفة عظيمة، واشتهر ذلك بين الناس. قال المؤرخ: ولم أرها بعيني.
وفي ثامن يوم من شعبان دخل قاضي الشام محمد أفندي زاده، وكان رجلاً عاقلاً، إلا أنه ما عنده سياسة ولا تدبير.
وفي اليوم الرابع عشر من شهر رمضان بهذه السنة جاء فتحي أفندي الدفتردار من اصطنبول ودخل الشام بفرح وسرور، ولم ينله أدنى ضيم، وسبب ذلك ما بذل في الاصطنبول من المال الذي تميل به قلوب الرجال. وكان محسوباً على القظلار وجماعة من رؤساء الدولة كبار. وقيل إنه دخل اصطنبول سراً وفرق المال سراً وجهراً، وكان قد طلبه السلطان فزيّوا رجلاً بزيه، وأدخلوه على الملك، فقرعه بالكلام وبما وقع منه، وما أرسلت أهل الشام من الشكايات عليه، فكان كلما قال له حضرة الملك محمود خان كلاماً يشير له برأسه أن نعم، وكان قد أمره بذلك من أدخله، فحالاً أمر بقتله فقتل، وهو يظن أنه فتحي أفندي الدفتردار، ثم أمروا فتحي أن يلحق بالشام ليلاً. وفي آخر ذي الحجة بطلت الفلوس الذي كذا كانت ضرب الشام.
[سنة ١١٥٨]
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين ومئة وألف نهار الثلاثاء. تفاقم الأمر من تعدي الزرباوات وهم الأشقياء، فاستطالوا في سب الدين وظلم الناس وغير ذلك. وحاكم الشام حضرة أسعد باشا لا يحرك ساكناً، ولم يفعل شيئاً، حتى صاروا يسمونه سعدية قاضين، نائمة مع النائمين، ونرى الأشقياء للعرض والمال مستحلين. لكن البلد من الحركات ساكنة ومن ظلم الحكام آمنة. وفي خمسة عشر من جمادى الثانية توفي الشيخ الفاضل معتقد أهل الشام على الإطلاق الشيخ يوسف الطباخ الخلوتي. قال المؤرخ: ومما منَّ الله عليّ أن حلقت رأسه واغتنمت دعاءه، رحمه الله ورضي عنه.
وفي نهار الاثنين الحادي والعشرين من جمادى الثانية من هذه السنة قامت العامة من قلة الخبز وغلو الأسعار وهجموا على السرايا، رافعين أعلى أصواتهم بالبكاء والتضرع، قائلين ما يحل من الله قلة الشفقة على العباد الذين تضرروا بالغلاء، وأنت حاكم الشام ومسؤول عند الله عنا وعن هذه الأحوال. فقال لهم أسعد باشا: اذهبوا إلى المحكمة، واشكو حالكم إلى القاضي. فأقبلوا نحو المحكمة، واصطرخوا فيها يشكون حالهم وما أصابهم وما هو واقع بهم. فخرجت جماعة القاضي بالعصي وطردوهم، وكان ذلك بأمر نائبه، فهجمت العامة ورجموهم بالحجارة، فأمر القاضي أعوانه أن يضربوا بالبارود فضربوهم، فقتلوا منهم رجلاً شريفاً وجرحوا منهم جماعة، فغارت العامة عليهم، وساعدهم بعض الإنكشارية، فهزموا القاضي وقتلوا باش جوقدار وبعض أعوانه، ونهبوا المحكمة وحرقوا بابها، وسكّرت الناس البلد، فركب بعض الأغاوات وردّ الناس. وأما القاضي فقد هرب من فوق الأسطحة هو ونائبه وجماعته، فأخذه بعض الأكابر وصار يأخذ بخاطره، فحلف القاضي لا يسكن هذا الشهر إلاّ بالقلعة. ثم جمعوا مال القاضي ومتاعه والذي نقص منه فرضوه على خزينة الوجاق وعلى بعض الأكابر والأعيان، وأرضوا القاضي وصالحوه وإلى المحكمة ردّوه.
وفي نهار الثامن والعشرين من جمادى الثانية توفي الشيخ الزاهد صاحب الأحوال والكرامات الشيخ أحمد النحلاوي الأحمدي، ودفن بزاويته القاطن بها جوار ستي خاتون شاه أخت الملك العادل السلطان نور الدين الشهير بزقاق المحكمة.