للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم دخلت سنة تسع وستين ومئة وألف نهار الأحد والغلاء قائم في الشام كما قدمنا. وجاء الجوقدار سابع وعشرين من المحرم، والكَتّاب جاء ثاني يوم من صفر، وسادس يوم منه دخل الحج الشريف. وأخبرت الحجاج أن هذه السنة كانت مخصبة ودار بهم أمير الحج من غير الطريق السلطاني، فحصل على الحج عطش شديد، حتى هلك في يوم واحد ألف وخمس مئة إنسان.

وفي سلخ ربيع الثاني جاء مقرَّر إلى الحاج أسعد باشا في الشام وهي السنة الرابعة عشر من حكمه الشام وإمارة الحج الشريف المتوالية التي لم تسبق لغيره. وتلك الليلة نزل ثلج عظيم في الشام ما رؤي مثله من سنين.

وبتلك الأيام جاء قبجي إلى حسين بيك بن مكي حاكم غزة ومعه فرمان بأن يكون باشا بالقدس ويعمِّر ماء القدس، وأن يلم مال الدورة بأمر الدولة.

وكان صوم رمضان هذه السنة نهار الأحد. وفي جمادى الأولى نزل ثلج عظيم بدمشق وأقام أياما وهدم أماكن كثيرة. وفي تلك الأيام جاء قبجي برجوع القدس إلى أسعد باشا والي الشام. وفي ذلك الشهر جاء خبر بأن عرب الحجاز محاصرين مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلَّم، ولها نحو شهرين في المحاصرة، حتى هدموا ما حولها وقطعوا نخلها وضيّقوا على أهلها، وهم الآن في كرب وضيق ما سبق ولا سمع من عهد الجاهلية. فبلغ هذا الحال الدولة العلية أيّدها الله تَعالى، فأرسلت إلى حاكم الشام أسعد باشا العظم بأن يتأهب لقتالهم بالرجال والعسكر الجرّار، وإلى أخيه مصطفى باشا كذلك، وإلى أخيه سعد الدين باشا كذلك، وأن يكون حاكماً بجدة، وأن يأخذ معه عساكر وأن يساعد أخويه.

وفي تلك السنة أمر حضرة الحاج أسعد باشا العظم بترميم وإصلاح جامع يلبغا، فعمل له وقفاً وجرايات بعد ما جدد فيه أخلية وغير ذلك، وأمر أيضاً بإصلاح جامع الياغوشية الذي تحت القلعة. وكان قد وقع منه جدار على امرأة ورجال، وألزم بعض أخصائه بتعميره من ماله لأنه ذو مال. وفي أول رجب تمت عمارة قهوة الشاغور التي هي مقابلة للشيخ السروجي رضي الله عنه. وبتلك الأيام عُمِّرت أيضاً قهوتين كذا بباب السريجة وقهوة أمام باب المصلى.

وفي نهار الجمعة من شعبان توفي مصطفى بيك بن مردم بيك، وهو من أعيان الشام وذوي البيوت التي شهدت أهل الشام بصلاحه، لأنه كان يحب الخير ويعمله، ولا يقارب الحكام وليس له أذية لأحد، ودفن بمدفنهم عند جده لالا مصطفى باشا، في أسفل سوق السنانية.

ثم جاء رمضان المبارك وأثبتوه الأحد وصمناه تماماً. وسار الحج قاصداً الحجاز ثامن عشر من شهر شوال. وفي ذلك اليوم توفي عبد الله أفندي زاده قاضي الشام، ودُفن بجوار سيدي بلال الحبشي رضي الله عنه. وبهذا النهار وجدوا صبياً مخنوقاً في نهر بردى، وبعده ظهر أبوه أنه خواجا في سوق السلاح. وفي يوم الأحد ثالث ذي الحجة دخل سعد الدين باشا والي طرابلس إلى سردارية الجردة بعد ورود عزله من طرابلس. ونهار السبت كان نهار وقفة عيد الأضحى بالشام. وفي سلخ ذي الحجة نهار الجمعة توفي خطيب الأموي محمد سعيد أفندي بن محاسن ودفن بباب الصغير.

[سنة ١١٧٠]

ثم دخلت سنة سبعين ومئة وألف نهار السبت في طالع يمن وفرح وسرور إن شاء الله. ولكن الغلاء واقع في البضائع وغيرها كما أسلفنا، فلا عود ولا إعادة.

وبهذه الأيام انفصل مصطفى باشا أخو أسعد باشا العظم من صيدا ووُجهت عليه ولاية أدَنة. وبتلك الأيام صار انقطاع نهر القنوات بعد عيد الزبيب. وبنصف محرم جاء من إسلامبول قاضي الشام محمد أفندي. وبهذه الأيام سمّروا خبازاً بباب الجابية.

وفي سابع وعشرين محرم دخل جوقدار الحج الدالي علي باش ومعه جماعة، وبشَّر بالخبر وأن حضرة الباشا والحجاج سالمين. وفي يوم الثلاثاء جاء كتّاب حماة وحلب، ويوم الأربعاء جاء نصراني في بعض مكاتيب، وأخبر أن كتّاب الشام جرحوه العرب. وبتلك الأيام أتت السماء بمطر كأفواه القرب، حتى ظنت الناس أن الحج قد غرق، وكان بمنزلة الصنمين. وقد تأخر دخول الحج عن ميعاده نحو جمعة. ونهار الثلاثاء ثاني عشر صفر دخل الحج الشريف، وثاني يوم دخل أمير الحاج وحاكم الشام الحاج أسعد باشا العظم في موكب الحج والمحمل الشريف. وهذه السنة الرابعة عشر كما قدمنا من سنين حججه المتواليات التي ما عُهدت لغيره. أدام الله أيام وجوده آمين.

<<  <   >  >>