وبهذه السنة أصلح حضرة أسعد باشا بين أهل المدينة الشريفة وبين العرب الذين حاصروها، وذلك بعدما أعطاهم نحو مئة كيس من المال، فشكرته جميع الحجاج على هذا الصنيع، جزاه الله تَعالى كل خير آمين. وبهذه السنة صار أيضاً نقص في الجمال والناس. فقد نقلوا أنه مات في محطة آبار الغنم أكثر من ألف وسبع مئة نفس في يوم واحد من اشتداد الشوب وهو الحر الشديد. وفي قناق آخر سبع مئة نفس، ما عدا الذين ماتوا شيئاً فشيئاً. وبهذه الأيام حصلت حميرة في الأولاد في دمشق الشام، فمات منهم كثير.
وفي يوم الاثنين ثالث عشر ربيع الأول أهدى حضرة السلطان إلى حضرة الأمير الحاج أسعد باشا مع قبجي باشي قفطان وسيف عظيم مع فرمان عظيم فيه تفخيم كثير لحضرة الوزير المشار إليه.
وفي ليلة الجمعة توفي شيخنا الشيخ إبراهيم الجباوي السعدي الشاغوري شيخ سجادة الطريقة السعدية ومتولي الجامع الأموي وقد سار للإسلامبول، واجتمع بثلاثة سلاطين: السلطان أحمد والسلطان محمود والسلطان عثمان. وصار له خير وإنعام، بعدما ظهر له سر وبرهان. وخلف كثيراً من الخلفاء في الروم ومصر وحلب والشام، وبلغ جاهاً عظيماً مع تواضع كلي بحيث يجلس بالقهاوي ويسلِّم على الكبير والصغير، وكان يوم موته يوماً مشهوداً، ودُفن عند جده الشيخ حسن الجباوي رحمه الله.
وفي سلخ ربيع الأول من هذه السنة وهي سنة سبعين ومائة وألف مات قاضي الشام ودفن بباب الصغير، وصار له مشهد عظيم.
وفي سابع يوم مضى من تشرين الثاني هطلت أمطار كثيرة وأعقبها برد شديد وهواء يابس، حتى يبست المياه في البرك والبحرات ويبست الشجر وتشقق الصخر، واستمرت نحو بضع وعشرين يوماً، ويبس الليمون والكباد والنارنج وغيرهم من الأشجار واستمرت بضعاً وعشرين يوما، حتى تجدها في الطرقات كالصخور، ومات كثير من الوحوش والكلاب والطيور. وبلغني أن شخصاً كان له دجاج، فبيوم واحد مات له اثنين وعشرين دجاجة مع المحافظة عليهم. وأما في البراري فلا تسل عما صنع الجليد والبرد فيهم، فقد مات كثير من الطرش والغنم. ومات من أولاد العرب ونسائهم خلق كثير. وبلغني أن نواعير حماة وقفت والطواحين أيضاً والأسواق سكَّرت. فالحاصل سقعة مهولة وزميتة مزعجة وجليد مهول، ما سُمع ربما من مدة سنين.
قال المؤرخ البديري عفا الله عنه: وفي يوم الخميس منتصف ربيع الثاني من هذه السنة وجهت دمشق الشام على راغب باشا المنفصل عن مدينة حلب. وفي ليلة الأربعاء سلخ ربيع الثاني جاء خبر مع نجّاب إلى حضرة الحاج أسعد باشا والي الشام بأنه عُزل وولي حلب. وثاني يوم من عزله أرسل خلف متسلمه موسى آغا ولبّسه فروةً ثمينة وأقامه متسلم دمشق الشام، وأظهر أنه جاء الخبر من الدولة بأن يكون كيخية راغب باشا، ليتعاطى أمور الحاج والدورة، وبأنه جاء بشارة أنه بعد فراغ السنة من الحاج أنه والي جدة وباشا بطوخين. فتسلم حكم الشام موسى كيخية. وأخرج حضرة أسعد باشا جميع من في الحبوس، وكان في الحبوس شيء كثير من أربع سنين وخمس سنين وعشر سنين. وأقام أسعد باشا في دمشق يتردد على سراية الحكم إلى يوم الجمعة خامس عشر جمادى الأولى، جاءه قبجي بفرمان الحكم في مدينة حلب وبشارة بطوخين إلى موسى كيخية، وأن راغب باشا المنفصل عن حلب قد نال الوزارة العظمى، وقد توجه للإسلامبول، وأن دمشق والشام توجهت على حسين باشا بن مكي القاطن في مدينة غزة.
وأقام الحاج أسعد باشا إلى نهار الاثنين، ورحل بالسلامة متوجهاً إلى مدينة حلب، بعدما أمر بإصلاح الوجاقين وأن يجعلوا في كل مصلبة جماعة من الإنكشارية وجماعة من القبقول، وأن يجعلوا عليهم في كل قلق واحداً أنباشي.
وقد شاع الخبر بأن الوالي المقبل على الشام سيئ الخلق ظالم غاشم. وقد خافت القبقول من الإنكشارية وجميع حواشي أسعد باشا، وصاروا يأخذون في القيل والقال، وقامت بعض السفهاء من أهل الحقلة والميدان فردّتهم أكابرهم، وصار في البلد خوف عظيم وأراجيف، حتى عزلت القبقول بيوتها، وعزّلت أصحاب الدكاكين دكاكينهم من سائر الأسواق.
وكان أول حكم موسى كيخية المتسلم أن أمر جميع المنازيل التي في الحارات من عشرين ثلاثين سنة تعمرها أهل محلتها، فانخبطت البلد خبطة مزعجة. وفي ذلك اليوم شنق الباشا شاباً من أولاد السويقة يقال له ابن سمرتين، فقلّت الرواجف وأمنت الناس.