وفي ليلة الخميس تاسع عشر صفر الخير لثلاث أيام مضت من كانون الأول ثالث ساعة من الليل صارت زلزلة خفيفة في دمشق وقع بسببها بعض أماكن في سراية الحكم على جماعة، فقتل رجل مسلم ورجل نصراني. وكان ذلك الشهر مطره غزير جداً يعقبه إن شاء الله تَعالى خير كثير. وتوفي بهذا الشهر الشيخ محمد بن أحمد بن سوار شيخ المحيّا والشيخ خليل بن البكري في داره بباب توما وأعملوا له في الأموي. وفي ثامن عشر شهر صفر يوم الجمعة بعد العصر توفي لرحمة الله تَعالى الشيخ أحمد الجلبي إمام جامع السنانية للسادة الشافعية. قال المؤرخ: كان هذا الإمام إماماً في كل فن، ضحوك السن فاضلاً مباركاً قاطناً في جامع العداس عند الملاّ إلياس قُدّس سره، لا يفارق الملا لا ليلاً ولا نهارا، ودفن بباب الصغير قريباً من الملا إلياس، رحمهما الله تَعالى. وفي تلك الأيام أيضاً توفي الشيخ يحيى بن محاسن رحمه الله. وفي نهار الاثنين الثاني والعشرين من شهر صفر تشاجر سعد الدين المغربي خدام في بيت الخانم بنت سليمان باشا مع رجل من نفر الأرطة، فضرب الأرطلي فقتله، وجرح طواشي الخانم بعدما جرحه المغربي جرحين. فحين بلغ حضرة الوزير أسعد باشا أمر بقتله حالاً، فخنقوه في تلك الأيام من غير إثبات ولا دعوى.
وفي منتصف مربعانية الشتاء وقعت صخرة بنهر القنوات، ووقوعها كان تجاه وادي كيوان، سدّت النهر وانقطع ثلاثة أيام بلياليها، فأخرجوا الصخرة قطعاً قطعاً، فوجدوها قبراً قديماً من قبور الحكماء.
وفي شهر ربيع كذا أعاد الباشا السردرة على البلاد، فصاروا يمسكون من عرب الجبل ويقتلون ويأتون برؤوسهم إلى الشام. وفي شهر جمادى كذا جدَّد حضرة أسعد باشا الجامع الذي هو قدام قهوة الخريزاتية وحسّنه هيئة وفرشاً وعمّر بعض دكاكينه قنايا ماء قريباً من بيت السفرجلاني.
وفي أواخر رجب جاء مقرَّر لسنة ثمانية وستين، وهو عن ثلاثة عشر سنة من حكمه، حفظه الله أمير الشام وأمير حاج الإسلام وقد عدل في الخاص والعام، وأحسن للعلماء والفقراء والأيتام بلا ظلم ولا عدوان، وعمَّر أماكن كثيرة داخل المدينة وخارجها ومدارس وجوامع وغير ذلك من وجوه الخير والصدقات، جزاه الله خيرا.
وفي يوم الاثنين خامس رجب خرج حضرة أسعد باشا إلى الدورة، وترك موسى كيخية متسلماً بها. وكان نصف شعبان المبارك يوم الخميس، وثبت أول رمضان نهار السبت. والأسعار ناهضة جداً: فرطل اللحم بأربعة وعشرين مصرية، ورطل الخبز بأربعة وبخمسة مصاري، ورطل الأرز بعشرة مصاري، ورطل الكعك باثني عشر مصرية، ورطل الدبس بخمسة عشر مصرية، وأوقية السمن بستة مصاري في أيام الموسم، وأوقية الزيت بثلاث مصاري ونصف، وكذلك الصابون، وأوقية الجبن الأخضر بمصريتين، وأوقية القريشة بثلاثة مصاري، ورطل المشمش الحموي بستة مصاري مع أنه مقبل كثير، والمشمش البلدي بثلاثة مصاري ونصف مع إقباله. وحاصله كل شيء غالي حتى العلق التي تستعمله الناس لإخراج الدم، والقصرمل الذي يخرج من وقيد الحمام، والأمر لله.
وفي ثاني عشر شوال سار حضرة الوزير الحاج أسعد باشا مع المحمل في الموكب العظيم للحج الشريف. وكانت هذه السنة هي الثالثة عشر من حججه المتوالية وإمارته التي لم تسبق لغيره.
وبهذه السنة مروا على وادي الليمون في الطلعة، وكانت وقفتهم الجمعة، ورجعوا من الطريق السلطاني. وفي خامس وعشرين من المحرم دخل جوقدار الحج وبشَّر بالخير. وفي خامس صفر دخل الحج الشريف وهو على أحسن حال.
وفي هذه الأيام توفي رجل من البله المجاذيب، وكان بطلاً من الأبطال تعتقده أهل الشام ويكاشف بكلامه، ويقع كما يقول واسمه الشيخ خليل البياض. وخرج بجنازته أكابر الشام حتى حاكمها المتسلم موسى كيخية ومشى وراءها، رحمه الله.
[سنة ١١٦٨]
ثم دخلت سنة ثمانية وستين ومئة وألف. وكان غرة محرمها نهار الاثنين المبارك، جعلها الله سنة خير وبركة علينا وعلى سائر المسلمين.