ثم دخلت سنة أربع وسبعين ومئة وألف. وكان عثمان باشا والي الشام في الحج أميراً له. ولما جاء الحج أخبر أن هذه الحجة من أبرك الحجج برخاء ورخص وأمان.
وفي تلك السنة جاء قبجي يأمر بالزينة العظمى، ونادى عثمان باشا أن من عنده لعبة ولو كانت من الطين والخشب أو عنده معرفة بأبواب السيما التي تسمى بالملاعيب فله عندي الإكرام الزايد، فبذل جانباً من المال وأعطى ومنح، ودارت العرايض بأنواع الملاعب وعملت جميع الصنائع والحرف، ومشت بمواكب عديدة مدهشة، منهم بالأسلحة والعدد والدروع الفاخرة، ومنهم الثياب المثمنة المنوعة. والحاصل حصلت زينة ما سمعنا ولا رأينا أنه صار نظيرها.
وبتلك السنة ركب عثمان باشا والي الشام على قلعة صهيون وفتحها، فأمن الخايف وقلت الرواجف. وفي تلك السنة أيضاً جاء خبر إلى الشام بقتل عبد الله الشتجي، وضبطت الدولة ماله ونواله، وراح كأنه ما كان.
[سنة ١١٧٥]
ثم دخلت سنة خمس وسبعين ومئة وألف. وكان والي الشام عثمان باشا أميراً بالركب الشامي، وكانت حجة مريحة لم يحصل أدنى كدر للحجاج. وكانت وقفة عرفات يوم الجمعة. ومن الاتفاق العجيب أن عثمان باشا خرج بالركب يوم الجمعة، ووقف على عرفات مع الحج يوم الجمعة، ودخل الشام يوم الجمعة.
وفي مدته لم يحصل في الشام أدنى مكدّر، فعدل في الرعية، وعاشت أهل الشام بمدته عيشة هنية. وكان كيخيته سليمان بك مملوك سليمان باشا بن العظم. وكان في موت بيت العظم قد قاسى أهوالاً، فنال بصبره آمالا.
وفي تلك الأيام ورد الخبر إلى دمشق الشام بأن سعد الدين باشا بن العظم مات في ديار بكر، وجاء الأمر بضبط ماله، فضبطت الدولة على ماله واستولت على نواله، فقد نقل الثقات أنه خرج عنده مال عظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
انتهى ما ذكره البديري من هذا التاريخ، واختصر حوادث السنين الأخيرة جداً وزاد سنة سهواً. والصحيح ما نقلناه. فسبحان من ليس بغافل ولا ساه. انتهى ما حررناه بقلم محمد سعيد أبي جمال، أحسن الله له الحال والمآل. وذلك قبيل ظهر يوم الخميس الرابع والعشرين من رمضان سنة ١٣١٧. تمّ الكتاب على يد الفقير خادم العلم الشريف محمد بن المرحوم الشيخ عبد القادر المجذوب في ميدان الحصا في رجب الحرام سنة ١٣٢٣.