وفي آخر ربيع الثاني أرسل حضرة أسعد باشا العظم عسكراً عظيماً إلى مدينة بعلبك، لقتل واليها الأمير حسين، فلم يجدوا له أثراً، فدخلت الأعوان ونهبوا وسلبوا وفعلوا ما فعلوا، ثم أتوا بثمانية رجال من أعيان بعلبك، ومن جملتهم مفتيها لدمشق الشام، فشنق مفتيها المذكور وضربت أعناق الباقين.
وفي تلك الأيام أرسل حضرة أسعد باشا جملة من العساكر إلى العرب، فجاؤوا برؤوس من العرب وجمال وأغنام وسلب وغير ذلك. وقد أرهب حضرة أسعد باشا المذكور الكبار والصغار، وعظم صيته حتى في البراري والقفار، وصاروا يضيفون لاسمه الحاج، ويقولون: الحاج أسعد باشا.
وفي هذه الأيام جاء من الدولة العلية قبجي ومعه من حضرة السلطان هدية ملوكية لحضرة الحاج أسعد باشا وهي كرك عظيم مفتخر وسيف ملوكي وخلع وتشاريف. وذلك لم يسبق لغيره من الوزراء والحكام، إلا إلى الوزير الأعظم صاحب الختم، إذا كان في سفر حرب وصار على يده فتوح بلدان، فسبحان المعطي المانح.
وكانت الدولة منذ أمد غير بعيد قد رفعت أرط القبوقول من الشام، ولم تر لفّات برمة. فأرسل حضرة أسعد باشا حفظه الله يطلب من الدولة أرطاً، فأرسلوا له أرطة أون طقوز، ودخلت بموكب عظيم، سرت أناساً وأكمدت أناسا.
وأرادت بعض الأشقياء أن تقيم رؤسها، فأخبروا حضرة الباشا بذلك، فأرسل يقول للآغا: كل من أدخله من أولاد الشام من غير جنسك لا يرجع اللوم إلا على نفسك. فانتظم الحال، وقويت دولة القبو قول في دمشق الشام، وبرموا اللفّات، ورجعت دولتهم أحسن مما كانت.
وفي جمادى الأولى من هذه السنة وصل الجراد للشام، وكان حولها سنين مخيم، فنزل على بساتينها، فأكل حتى لم يبق ولم يذر، فأرسل حضرة الباشا رجلين من أهل الخبرة يأتونه بماء السمرمر. ثم إن هذه السنة كانت كثيرة الأمطار والخيرات والفواكه والنبات. ومع ذلك فأهل الشام في شدة عظيمة من الغلاء، ونهض الأسعار في جميع البضائع. وكان حضرة أسعد باشا حفظه الله عمل ديواناً، وأرسل خلف بائعي القمح، وطلب منهم إحضار القمح وهددهم، فحلفوا له بأن ما عندهم شيء ولا يوجد. فقال لهم أنا عندي قمح كثير في حماة، فاطلبوه فأرسلوا يطلبون جميع ما يوجد من القمح خاصة حضرة الباشا وغيره، فجاءهم من حماه أحمال قمح بغير حساب، وباعوه في الشام على السعر الواقع. ومع ذلك فرطل الخبز بخمسة مصاري، وقد طالت هذه الشدّة.
وفي نهار الأحد بعد العصر خامس عشر جمادى الثانية من هذه السنة ضربت مدافع، فسألت الناس عن الخبر، فقيل: إن سعد الدين باشا أخا أسعد باشا جاءته رتبة وزارة، وجاءه طوخ. فهرعت أكابر الشام لأجل تهنئة أخيه أسعد باشا. وكان أسبقهم لتهنئة الباشا فتحي أفندي دفتر دار الشام، فلما رآه الباشا قام ودخل لدهليز الخزنة، فتبعه وجلس عنده، فأخرج أسعد باشا صورة عرض وأراه إياه، فأخذه فتحي أفندي وقرأه، وإذا فيه الأمر بقتله. وقال له حضرة الباشا ما تقول في هذا. فقال سمعاً وطاعة. لكن أنا في جيرتك فخذ من المال ما أردت وأطلقني، فقال له الباشا: ويلك يا خائن، أنا لم أنس ما فعلت في نساء عمي. ثم أمر برفع شاشه وقطع رأسه، فوضع في رقبته حبل، وسحب إلى خارج السرايا وقطع رأسه، وأرسل للدولة. ثم أمر الباشا أن تطاف بجثته في سائر شوارع الشام وطرقها وأزقتها ثلاثة أيام، ففعل به ذلك، وطيف به عرياناً مكشوف البدن وتركوه للكلاب، ثم دفنت جثته في تربة الشيخ رسلان، وأمر الباشا بالإحاطة على داره وعلى ماله والقبض على أعوانه، فألقوا القبض على خزنداره عثمان وعلى ولده فأمر بحبسهما، ثم أتوا بأكبر أعوانه وكان يلقب بالعفصا فقطع رأسه حالاً. وزادوا على أعوانه بالتفتيش، فقتل بعض أعوانه وخدامه، ثم ضبط الوزير تركته وأموال أتباعه جميعاً للدولة العلية، فبلغت شيئاً كثيراً، وتفرق الباقون أيدي سبا، كأن لم يكونوا وانقضت دولة كأنها طيف خيال.