للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومع ماله من سيئات كان له حسنات ونفع في بعض الأوقات للأنام. فمن آثاره المدرسة التي في القيمرية، وأوقف جرايات وشوربة لطلبة العلم، وعمّر رصيف درب الصالحية، وعمّر الحمام في ميدان الحصا المسمى باسمه، والقهوة أيضاً. ومن أعظم آثاره تجديده لمنارتي تكية السليمانية التي في المرجة، وذلك بعد سقوطهما أيام الزلزلة، فأعيدتا أحسن مما كانتا، وله غير ذلك. غير أن سيئاته أكثر من حسناته. نسأله تعالى أن يتغمدنا بلطفه وعفوه، ويجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، فإنه قريب مجيب آمين.

وفي تلك الأيام جاؤوا بشيخ جيرود، وأخبر أسعد باشا بأنه قتل شخصاً، فسأله الباشا فأجابه، وقال إنه قد قتل أبي فقتلته، فأمر بقتله، فقتل حالاً. وفي يوم الأحد ثالث عشر رجب من السنة المذكورة توفي محمد آغا ابن الديري في داء الدوسنطارية، وقد كان مدركاً لأعمال أسعد باشا وأعمال أبيه إسماعيل باشا وعمه سليمان باشا، وكان وكيلاً للخرج، لكن عليه مدار كل الأعمال، وصاحب الكلمة النافذة عندهم، حتى قيل إنه صاحب كل حركة وقعت بالشام، وإنه مرتكب للفواحش من شرب خمر وغيره مع إيذائه للرعايا. وكان أيام الفتن يمشي قدام الدالاتية يسلب وينهب ويخرب بيوت الإنكشارية، وقد أتى بأحجار بيوتهم وأخشابهم وعمّر بها دارا، فما تمت العمارة حتى هلك مع الهالكين وضبط الباشا ماله ونواله، وذهب مع الذاهبين.

وثاني يوم موته قتل الباشا عثمان آغا خزندار فتحي أفندي الدفتردار كما قدّمنا، وقتل معه أحمد آغا الشربجي خزندار فتحي الثاني، وضبط مالهما.

وبهذا اليوم، وهو يوم الاثنين رابع عشر رجب، جاؤوا بماء السمرمر، وطلعت لملاقاته المشايخ وأهل الطرق بالأعلام والمزاهر وطبول الباز، ودخلوا بموكب عظيم بكت فيه خلق كثير، وعلقوه بمنارة الشيخ الأكبر في الصالحية، وفي منارة تكية المرجة، وفي منارات الجامع الأموي، وأبقوا في السرايا قِرَب من ماء السمرمر، وذكروا أن مرادهم أن يعلِّقوهم في أراضي حوران.

هذا والغلاء قائم على قدم وساق، لم يقع مثله في قديم الزمان، فرطل الخبز وصل إلى سبع مصاري، والوسط بستة، والرديء الدون بخمسة مصاري، ورطل الكعك بخمسة عشر مصرية، ورطل الرز بعشرة مصاري، وأوقية السمن بخمسة مصاري في وقت جلبه وأوقية الطحينة بخمسة مصاري، وأوقية السيرج بخمسة مصاري، وأوقية القريشة بثلاث مصاري، وكذلك الجبن والدبس الرطل بثمانية عشر مصرية، ورطل العسل بقرش ونصف، ومدّ الملح وصل ثمنه للعشرين مصرية، ومد الحمص بثلاث أرباع المصرية، وكذلك العدس. وأغرب من ذلك مع كثرة الفاكهة رطل التين الطري بأربعة مصاري، والكوسا كل ثلاثة بمصرية، والباذنجان الرطل بثمانية مصاري، وكل يقطينة بأربعة مصاري، ورطل اللحم بنصف قرش والبطيخة بنصف ربع ريال، إن كانت صفراء أو خضراء، والخيار الرطل بمصريتين. وقد دام هذا الأمر سبع أو ثمان سنين، لكن في هذا العام قد زاد الحد، والحكام لم يفتشوا على الرعية، وهذا مع قلة البيع والشراء والكساد وكثرة الديون على العباد، وظلم بعضهم البعض، وقد ضاقت على العباد فسيح الأرض والحكم لله.

وفي يوم الأحد الحادي والعشرين من شهر رجب في هذه السنة تسع وخمسين ومئة وألف جمع حضرة أسعد باشا العظم أكابر الشام وأعيانها في المحكمة، ووقف جميع أملاكه على أولاده، ثم على أولاد أولاده على حسب ما اشترط في الوقفية، وفرّق على أولاد عمه ما كان لهم، وقد كان ضبط مال محمد آغا ابن الديري وعمل حسابه على عقله، فظهر لحضرة أسعد الباشا أنه قد تبقى له مع ابن الديري المذكور اثنا عشر كيساً. ثم جاءت الأصناف وأخبرت حضرة الباشا بأن لهم متبقى في ذمة ابن الديري من أيام أبيك إسماعيل باشا وعمك سليمان باشا. وفي أيام دولتك اثنا عشر ألف قرش ولجوا في طلبها. فقال: الحقوه وخذوهم منه، فأنا باقي لي معه اثنا عشر كيس ذهب، فليس لكم فائدة في هذا الطلب، فكل منهم ترك ماله عند الله وذهب.

وفي ليلة الجمعة لخمسة وعشرين من شهر رجب خرج أسعد باشا إلى الدورة من هذه السنة. وفي ليلة الثلاثاء التاسعة والعشرين من شهر رجب من هذه السنة توفي مصطفى أفندي زاده قاضي الشام، وصار ولده نائباً عنه بمكانه.

<<  <   >  >>