قال البديري: وقد جاء صبيحة ذلك اليوم رجل من الأتراك ومعه نفر من الدالاتية، وقد كانوا في صيدا، فأرسل حضرة أسعد باشا يطلبهم ليخدموا عند متسلمه في الشام. وهؤلاء كانوا أول من ضرب بالسيف ونهب وسلب في حركة الزرب في الشام، وكان قائدهم يسمى عبد الله الترك. ويوم الأربعاء صارت مقتلة عظيمة، ذهب فيها نحو من خمسين قتيلاً، كانوا من جماعة المتسلم والقبقول، وواحد من الدروز خرج وقتل غلامين. وصارت أهل الشام تبيت وتصبح في أشأم حال. ثم أرسل المتسلم وأتى بخمسين خيّالاً من بني صخر، وأرسل للقرى والفلاحين، حتى صار عنده عسكر عظيم.
وبتلك الأيام لم تبطل طول الليل والنهار ضرب البندق والمدافع، وفتحوا عسكر الباشا دكاكين باب الجابية ونهبوا وأكلوا وشربوا وهدموا المصاطب وعملوها متاريس. وفي يوم الخميس بكّروا للقتال، وزحفوا إلى جهة السويقة، ومعهم الفعلة والمعامرية وحرقوا الدور والقصور، وبعد الظهر ضيّقوا على الزرب وهم الأشقياء، وحاصروهم وضربوا عليهم المدافع فولّوا الأدبار، فتبعوهم وقطعوا أربع رؤوس منهم، ومن جملتهم رأس موسى جربجي، وكان محسوباً من الزرب. وهو من جملة من هرب، وما قتل حتى حمل على عسكر المتسلم أربع مرات، والرصاص نازل عليه مثل المطر فأصابته رصاصة، فوقع فقطعوا رأسه وجاؤوا به إلى السرايا، وأما كور عثمان فإنه كان يقاتل خلف المتاريس، بلا سلاح بل بالأحجار، حتى أصابته رصاصة دخلت من يمين رأسه وخرجت من الشمال. فوقع وحملوه أصحابه ورجعوا مكسورين خائبين. فهجمت العساكر على الميدان، ولم يبق فيها مكان إلاّ ودخلوه، وأذن لهم المتسلم بالنهب والسلب من السويقة إلى آخر الميدان، فنهبوا وقتلوا فلم يبق دار ولا دكان إلاّ نهبوها وهدموها فسلبوا الأموال وقتلوا الرجال وسبوا الحريم وفضحوا نساءهم، ودام ذلك إلى وقت العصر.
ثم جاءت جماعة من الزرب، ومعهم فرقة من الدروز وجماعة من أهل الميدان، فردّوهم عن بقية الميدان، ثم لما علمت هذه الجماعة الذين ردّوهم أنهم لا طاقة لهم بتلك الجموع فرّوا هاربين بالليل، ومعهم جماعة من أهل الميدان. ولما طلع النهار نادى الحاكم بالأمان، وأن تفتح الأسواق ولا أحد ينهب، وكل من ينهب أو يأخذ شيئاً فروحه وماله يسلب. ثم طلع آغة القبقول على الميدان، وخرجت الناس لتنظر ما جرى بها.
قال المؤرخ أحمد البديري: وأنا سرت مع من سار، فوجدناها قاعاً صفصفاً، والقتلى بها مطروحة والأبواب مكسرة والدكاكين مخربة وجدرانها متهدمة. والحاصل حالها حال تقشعر منه الأبدان وتشيب منه الأطفال. قال تعالى:" وما أصابكم من مصيبة فبِما كسَبَتْ أيديكم، ويَعْفُو عن كثير " الشورى ٣٠.
وأصبح نهار الجمعة وأهل القبيبات وما بقي من دور الميدان وباب المصلى والسويقة ينقلون أمتعتهم وما بقي منها إلى داخل المدينة والقنوات وباب السريجة، ووقع الإرجاف والخوف والهمّ والغمّ في دمشق الشام. وقد خافت الأكابر والعوام، حتى أصحاب الدكاكين صاروا ينقلون ما عندهم ويضعونها داخل البيوت. وكانت الدور التي انتهبت في تلك الواقعة ألفاً وتسع مئة دار. وأما الدكاكين فلا تحصى بالعدد ولا بالحساب. وصارت القبقول يأخذون الناس ويأتون بهم إلى الحاكم ويقولون له: هذا كان يقاتل مع الزرب، وهذا مع الدروز، وهذا وهذا، فيقتلهم المتسلم من غير شرع ولا إثبات. وصار كل منهم يقصد من أعدائه أخذ الثارات. وأما بيت القباني فإنه وقع التنبيه من المتسلم أن من أخذ منه شيئاً من العامة يأتي به، فصارت العوام تأتي بكل ما أخذته من قمح ومتاع ودراهم، حتى إنهم جاؤوا بأكياس المال مختومة. قال المؤرخ: هكذا تكون الحظوظ وقد تشددت الأمور على أهل الشام وصاروا يسهرون بالليل والنهار، والناس في هم وغم وغلاء. وفي كل وقت يصير فزعة وتسكير دكاكين، حتى انتقلت غالب الدور التي كانت خارج المدينة إلى داخلها وإلى القلعة.
وفي يوم الخميس دخل سعد الدين باشا أخو أسعد باشا العظم، ومعه عسكر كالبحر الزخار، وبلغه جميع ما صار، فغضب على المتسلم، وأضمر له التكدير.