وفي يوم الأربعاء حادي عشر جمادى الثانية نزل القمح الجديد، وبيعت غرارة القمح بخمسة وأربعين قرشاً، وكانت قبل نزوله باثنين وخمسين، فصاحت العامة واستغاثت، ونهبوا بعض الأفران، ثم صاروا ينادوا في الأسواق رطل الخبز بثلاثة مصاري وبأربعة مصاري، فباعت أهل دمشق جميعاً بذلك الثمن، وفرحت أهل البلد كثيراً، فزيّنت البلد. وكان حضرة الوالي أسعد باشا في جنينة أبيه في مسجد الأقصاب قد عمل سيراناً ومعه أكابر الشام، فلما بلغه هذا الخبر غضب غضباً شديداً، وأمر الحاج محمود تفكجي باشا أن يأخذ أعوانه الفسّاق ويدور في البلد والأسواق، وأن ينبه على الخبازين أن لا يبيعوا رطل الخبز إلاّ بستة مصاري والأسود بأربعة، وكل من خالف يأكل علقة، والحذر ثم الحذر. فرجعوا للمنهج الأول، واسودّ الخبز وتغيّر، والله أكبر وأغير، وفي سادس عشر من جمادى الأولى صارت غرارة القمح بستة وعشرين غرشاً، فبيع رطل الخبز بثلاثة مصاري، وبدت تزول الشدة بإذن الله تعالى.
وفي تلك الأيام وصل خبر إلى دمشق بأن عبد الله آغا بن حمزة وكمال خليل، وهما من رؤوس الزرباوات المنهزمين من دمشق قبض عليهم الظاهر عمر حاكم قلعة طبرية، وقطع رؤوسهم وأرسلهم إلى صيدا، وحاكم صيدا أرسلهم إلى الدولة، وأرسل يطلب فرمان شريف بأن أسعد باشا حاكم الشام لا يمرُّ في سفره بالدورة على أرض طبرية. وفي يوم الاثنين غرة رجب الفرد من هذه السنة نادى أسعد باشا حاكم الشام وأن كل من شرب بها شنق وصلب، ثم أمر برفعها، فرفعت من سائر قهاوي الشام وأسواقها. قال المؤرخ البديري: وقد صار شربها في الشام من أعظم المصائب، فصار يشربها الرجال والنساء حتى البنات، جزاه الله خيراً.
وفي ثالث رجب نادت الخبازة والسوقية بأن رطل الخبز بأربع مصاري والخاص بخمسة مصاري، والذي خلط ذرة أو شعير بمصريتين، فمن كثرة فرح أهل الشام سيما الفقراء صاروا يبكون وينتحبون سروراً، حيث فرّج الله عنهم. وقد زينت غالب أسواق الشام. وفي ذلك اليوم بيعت غرارة القمح الجيد والشعير بثمانية قروش، وفرّج الله عن عباده بمنِّه وكرمه.
وفي يوم الجمعة ثاني شعبان المبارك دخل خليل آغا وأحمد آغا أولاد ابن الدرزي، وواجهوا متسلم دمشق، فتلقاهم أحسن ملتقى وكان معهم بيردي من أسعد باشا، حيث واجهوه بواسطة الشيخ إبراهيم السعدي الجباوي، نفعنا الله به وبأجداده، وكانوا هاربين عند العرب، فأعطاهم الأمان، لما طلع أن ليس لهم ذنب بتلك الأعمال.