وفي يوم الخميس خامس وعشرين من صفر الخير أقبلت بعض إنكشارية الشام من جهة الحج، ومعهم حجاج مركّيين كل اثنين ثلاثة على دابة، وهم في آخر درجة العدم، والمنادي معهم معه راية بيضاء ينادي هذه راية الإنكشارية، فضجت الناس بالبكاء والعويل، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وأخبروا أن خلفهم خلق كثير من الحجاج، ومعهم النساء والبنات مع الملكة حفايا عرايا. وبعد يومين أقبلت شرابجة الإنكشارية من المزيريب ومعهم المشطجي والقفطجي الجميع مشلحين. وفي ذلك اليوم رجعت الإنكشارية ومن بقي من الملاقية ومعهم الأغوات ومتسلم حسين آغا ألاي بيك، وأخبروا عن أحوال وأهوال التي حصلت للحجاج من النساء والرجال من شر كفار العرب ولا شك، حيث أن هذه الأفعال التي فعلت في الحجاج لا يفعلها عباد النيران: لأنهم أخبروا أنهم يشلحوا الرجل ويفتشوا تحت إبطيه ودبره وفمه وتحت خصيتيه، وإن وجدوا الرجل كبيراُ بطنه أو له قرّ أي قيلة شقوا بطنه وبقروا قرّه أي قيلته، ويدخلون أيديهم في دبر الرجال وفي فروج النساء، وقد كانت المرأة تضع الطين على قبلها ودبرها ستراً لعورتها فيكشفونه. وحاصله صدرت من العرب أمور ما سمعت من قديم الزمان ولا من عبّاد الأوثان والصلبان. ثم ما سلم من التشليح إلا الذين هربوا أمام الحج، وأن الباشا أمر من حوله بنهب خزنته فنهبوها، فناس سلموا وناس قتلوا، ومنهم من تشلح مرارا.
ثم أقام الحجاج أربعة عشر أيام جوعا وعطشا لا ماء ولا زاداً، ومنهم من مات جوعاً وعطشاً وبرداً وحراً، وذلك بعد ما شرب بعضهم بول بعض. وما كفى جور العربان، بل زاد عليهم جور أهل معان، غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذاب النيران.
وفي تاسع ربيع الأول جاء الخبر بأن حسين باشا والي الشام وأمير الحاج هو في مدينة غزة، ويريد من الشام بغال وتفكجية ورجالا، فأبوا أن يرسلوا له شيئاً من ذلك، بل أرسلوا له بأن يأتي إلى منصبه لأن قبجي التقرير عندنا، وافعل ما ترى فيه المصلحة.
وقبل ذلك بأيام كان قد قدِم أحمد بشه بن القلطقجي كبير زرباوات الشام، وكان هارباً له أربعة عشر عاما، فجاء مرة في غيبة أسعد باشا في الحج وفعل ما فعل كما قدمنا، وجاء مرة ثانية في أول حكم حسين باشا المذكور، فأكرمه وأعطاه، وخرج معه إلى المزيريب، ومن هناك غاب، ورجع هذه المرة الثالثة لما وقعت الفتنة في الشام، وعن تلك الأعمال نهاهم فلم تفد شيئاً كما تقدم.
وفي يوم الجمعة ثالث عشر ربيع الأول وصل خبر إلى دمشق الشام أن عمر المحاميد شيخ حوران وجد المحمل والصنجق عند العرب، وقد أرضاهم حتى فكّهما منهم، ووجد المحملجي وابن القبق دار وأربع خمس رجال عليهم المذلة والانكسار.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشرين ربيع الأول وصل المحمل ودخل إلى الشام، وهو محمول على جمل، وقد ستروه بثوبه الأخضر التحتاني، ومعه محمد بشه السقباوي وبعض فرسان دروز وبعض عربان، وذكروا أنهم فكوه من العرب بمئة وسبعين قرشاً.
وقد جاء في منتصف ربيع تتر أخبر بوفاة السلطان عثمان، ولم يأت بالخطبة لمن هي، حتى خطبت الشام بلا اسم سلطان جمعتين، إلى أن كان يوم الاثنين غرة ربيع الثاني جاء قبجي بخطبة اسم السلطان مصطفى خان. أيّده الله وأيد دولة بني عثمان مدى الدوران.
ثم صارت الحجاج تأتي زمراً زمراً، ثم جاءت البلطجية ومعهم قاضي المدينة وبعض نساء، وقد عُدت النساء الذين كانوا كذا في تلك السنة فبلغن خمس مئة امرأة، ما بان لهم أثر مع الملكة أخت السلطان.