ثم دخلت سنة اثنين وسبعين ومئة وألف، وكان أول محرمها نهار الثلاثاء وكان المتسلم في الشام من قِبل عبد الله باشا سليمان آغا، وكان ظالماً غاشماً على ما نقلوا. وكان مجيء جوقدار الحج سلخ محرم الحرام. وكان سردار الجردة عبد الرحمن باشا باشة طرابلس وفي خامس صفر الخير كان دخول الحج الشريف إلى الشام. وكانت سنة راحة لكافة الحجاج، وذلك بسبب أن الباشا قد قتل من العرب بين الحرمين ما لا يحصى، حتى قُتل شيخ العرب وجاء تقرير الشام للباشا قبل وصوله إلى الشام.
وكانت هلّة رمضان ليلة السبت، وضُربت المدافع في الثلث الأخير من الليل. والفلوس كل أربعة وعشرين بمصرية. وثبت عيد الفطر قبل ظهر يوم الأحد، وصلوا العيد قبل الظهر، وفطر الناس بعد أن كانوا صائمين.
وفي سادس عشر شوال توجه الحاج عبد الله باشا الشتجي أميراً على الحاج، ورافقه في الركب الشامي سعد الدين باشا العظم والياً لجدة، وأخذوا معهما عساكر كثيرة، خيفة من العرب من قتل عبد الله باشا لشيخهم وجنوده. وفي سابع والعشرين من المحرم قدم جوقدار الحج الشريف وبشَّر بكل خير، وعزل عبد الله باشا الشتجي مساعد شريف مكة، وأقام أخاه جعفر مقامه. وكانت وقفة الحاج الجمعة، ونهار السبت سابع صفر دخل الحاج الشريف لدمشق الشام، وهو بغاية الصحة.
ثم بعد دخول الحج أمر عبد الله باشا منادياً ينادي في الشام برفع الظلم والعدوان والعدل من الحكام والرعايا، وصار يتبدل ويختفي ويدور في شوارع الشام وأزقتها. فحصلت الراحة عموماً بإبطال الشرور وانعدام أهل الفجور. وكان الباشا قد قطع خرج غالب عسكره وأمر برحيلهم من الشام، وأن لا يبقى بها من لا شغل له ولا صنعة، فرحل خلق كثير، وأرسل جميع جماله إلى حماة. وكان ذلك من لطف الله بالشام وأهلها، والغلاء مطنب كما تقدم. وكان قاضي الشام رجلاً صالحاً، فعمل محتسباً وصار يدور بنفسه على السوقة ويعير الموازين والأرطال والأواق، فالذي يجد أواقه ناقصاً يضربه علقة على رجليه، والذي يجد أواقه تامة يعطيه مصرية من فضة.
ودخل ربيع الثاني الموافق تشرين الثاني ولم ينزل من السماء قطرة ماء. وفي ليلة الثلاثاء ثامن ربيع الثاني من تشرين الثاني من هذه السنة في الثلث الأخير من الليل والمؤذنون في المآذن يشتغلون المراسلة كذا صارت زلزلة خفيفة، وتبعتها ثانية ثم ثالثة زُلزلت منها دمشق زلزالاً شديداً، حسبت أهل دمشق أن القيامة قد قامت، فتهدّمت رؤوس غالب مآذن الشام ودور كثيرة وجوامع وأماكن لا تحصى، حتى قبة النصر التي بأعلى جبل قاسيون زلزلتها وأرمت نصفها، وأما قرى الشام فكان فيها الهدم الكثير، والقتلى التي وجدت تحت الهدم لا تحصى عددا. وفي الليلة الثانية زلزلت أيضاً في الوقت الذي زلزلت فيه الأولى، ثم حصلت في وقت صلاة الصبح وبالنهار أيضاً، ولا زالت تتكرر مرارا لكنها أخف من الأولين. وقد زاد الخوف والبلاء، وهجرت الناس بيوتهم، ونامت في الأزقة والبساتين وفي المقابر والمرجة، وفي صحن الجامع الأموي. وفي هذه الزلزلة وقع خان القنيطرة على كل من كان فيه، فلم يسلم من الدواب والناس إلا القليل، وكذلك خان سعسع. وقد وردت الأخبار إلى دمشق الشام أن بعض البلاد والقرايا انهدمت على أهلها، فلم يسلم منها ولا من دوابها أحد.
ثم في ليلة الثلاثاء الساعة العاشرة من الليل خامس ربيع الأول انشقت السماء وسُمع منها صريخ ودمدمة ودويٌّ وهول عظيم، حتى إن بعض أهل الكشف رأى أن السقوف ارتفعت، وظهرت النجوم وعادت السقوف كما كانت. ووردت أخبار أن في بعض البلاد انطبق جبلان على بعض القرى، فذهبت القرى ولم يظهر لها أثر. وفي ليلة الجمعة الثامن عشر من ربيع الأول في محل أذان العشاء خرَّ نجمٌ من السماء من جهة الغرب إلى جهة الشرق، فأضاءت منه الجبال والدور. ثم سقط فسُمع له صوت عظيم أعلى من صوت المدافع والصواعق.
وفي الزلزلة الأولى وقعت صخرة عظيمة في نهر القنوات فسدّت النهر، وانقطع الماء عن البلد أحد عشر يوماً، وبقيت قُطّاع الأحجار يقطعون فيها أحد عشر يوماً، فصارت الناس في غمَّين: غمّ الزلزلة وغمّ قلة الماء.