عند قيامه للثالثة واذا فرغ من قراءة السورة فيها رفع يديه حذاء أذنيه ثم كبر وقنت قائما قبل الركوع في جميع السنة ولا يقنت في غير الوتر والقنوت معناه الدعاء وهو أن يقول
اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك.
ــ
لا يقرأ دعاء الافتتاح "عند قيامه للثالثة" لأنه ليس ابتداء صلاة أخرى "وإذا فرغ من قراءة السورة فيها" أي الركعة الثالثة "رفع يديه حذاء أذنيه" كما قدمناه إلا إذا قضاه حتى لا يرى تهاونه فيه برفعه يديه عند من يراه "ثم كبر" لانتقاله إلى حالة الدعاء "و" بعد التكبير "قنت قائما" لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الوتر قبل الركوع وعند الإمام يضع يمينه على يساره وعن أبي يوسف يرفعهما كما كان ابن مسعود يرفعهما إلى صدره وبطونهما إلى السماء روى فرج مولى أبي يوسف قال رأيت مولاي أبا يوسف إذا دخل في القنوت للوتر رفع يديه في الدعاء قال ابن أبي عمران كان فرج ثقة قال الكمال ووجهه عموم دليل الرفع للدعاء ويجاب بأنه مخصوص بما ليس في الصلاة للإجماع على أنه لا رفع في دعاء التشهد انتهى. قلت وفيه نظر لأثر ابن مسعود الذي تقدم قريبا وفي المبسوط عن محمد بن الحنفية قال الدعاء أربعة: دعاء رغبة ففيه يجعل بطون كفيه إلى السماء ودعاء رهبة ففيه يجعل ظهر كفيه إلى وجهه كالمستغيث من الشيء ودعاء تضرع ففيه يعقد الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام والوسطى ويشير بالسبابة ودعاء خفية وهو ما يفعله المرء في نفسه كذا في معراج الدراية ولما رويناه يقنت "قبل الركوع في جميع السنة ولا يقنت في غير الوتر" وهو الصحيح لقول أنس قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب رعل وزكوان وعصية حين قتلوا القراء وهو سبعون أو ثمانون رجلا ثم تركه لما ظهر عليهم فدل على نسخه وروى ابن أبي شيبة لما قنت علي رضي الله عنه في الصبح أنكر الناس عليه ذلك فقال إنما استنصرنا على عدونا وفي الغابة: إن نزل بالمسلمين نازلة قنت الإمام في صلاة الجهر وهو قول الثوري وأحمد وقال جمهور أهل الحديث القنوت عند النوازل مشروع في الصلوات كلها اهـ
فعدم قنوت النبي صلى الله عليه وسلم في الفجر بعد ظفره بأولئك لعدم حصول نازلة تستدعي القنوت بعدها فتكون مشروعيته مستمرة وهو محمل قنوت من قنت من الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وهو مذهبنا وعليه الجمهور وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى إنما لا يقنت عندنا في الفجر من غير بلية فإن وقعت فتنة أو بلية فلا بأس به فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعد الركوع كما تقدم "والقنوت" من "معناه الدعاء" في الوتر "وهو" باللفظ الذي روي عن ابن مسعود "أن يقول اللهم" أي يا الله "إنا نستعينك" أي نطلب منك الإعانة على طاعتك "ونستهديك" أي نطلب منك الهداية لما يرضيك "ونستغفرك" أي نطلب منك ستر عيوبنا فلا تفضحنا بها "ونتوب إليك" التوبة الرجوع عن الذنب وشرعا الندم على ما مضى