ليحصلوا منه شيئاً بالمكر والحيل. والعالم هو الذي لا يطمع فيما عندك من المال، ومنصفك في الوعظ والمقال. كما يقال أن شقيقاً البلخي دخل على هارون الرشيد فقال له: أنت شقيق الزاهد؟ فقال: أنا شقيق ولست بزاهد. فقال له: أوصني. فقال: إن الله تعالى قد أجلسك مكان الصديق، وأنه يطلب منك مثل صدقة، وأنه أعطاك موضع عمر بن الخطاب الفاروق، وأنه يطلب منك الفرق بين الحق والباطل مثله، وأنه أقعدك موضع عثمان بن عفان ذي النورين وهو يطلب منك مثل حيائه وكرمه، وأعطاك موضع علي بن أبي طالب وهو يطلب منك مثل العلم والعدل كما يطلب منه. فقال له: زدني من وصيتك. فقال: نعم. اعلم أنا لله تعالى داراً تعرف بجهنم، وأنه قد جعلك بواب تلك الدار وأعطاك ثلاثة أشياء بيت المال والسوط والسيف، وأمرك أن تمنع الخلق من دخول النار بهذه الثلاثة فمن جاء محتاجاً فلا تمنعه من بيت المال، ومن خالف أخر ربه فأدبه بالسوط، ومن قتل نفساً بغير حق فاقتله بالسيف بإذن ولي المقتول، فإن لم تفعل ما أمرك فأنت الزعيم لأهل النار، والمتقدم إلى البوار. فقال له: زدني. فقال: إنما مثلك كمثل معين الماء، وسائر العلماء في العالم كمثل السواقي، فإذا كان المعين صافياً لا يضر كدر السواقي، وإذا كان المعين كدراً لا ينفع صفاء السواقي.
حكاية: خرج هارون الرشيد والعباس ليلاً زيارة الفضيل بن عياض، فلما وصلا إلى بابه وجداه يتلو هذه الآية:(أم حَسِبَ الذين إجتَرحوُا السيئَات أن نجَعلُهُم كالذِينَ آمنَوُا وعَمِلوُا الصَالِحاتِ) ومعناها: أيظن الذين اكتسبوا الخطايا ويعملون الأعمال المذمومة أن نسوي بينهم في الآخرة، وبين الذين يعملون الخيرات وهم مؤمنون. كلا ساء ما يحكمون. فقال هارون: إن كنا جئنا للموعظة فكفى بهذه موعظة. ثم أمر العباس أن يطرق عليه الباب فطرق بابه فقال: افتح الباب لأمير المؤمنين.
فقال الفضيل: ما يصنع عندي أمير المؤمنين؟ فقال: أطِع أمير المؤمنين وافتح الباب. وكان ليلاً والمصباح يتقد فأطفأه، وفتح الباب،