روي أنه كان ملك كثير المال قد جمع مالاً عظيماً من كل نوع خلقه الله تعالى من متاع الدنيا ليرفّه نفسه، ويتفرغ لأكل ما جمعه، فجمع نعماً طائلة وبني قصراً عالياً، مرتفعاً سامياً يصلح للملوك والأمراء، والأكابر والعظماء، وركّب عليه بابين محكمين وأقام عليه الغلمان الأجلاد، والحرسة والأجناد، والبوابين كما أراد. وأمر ببعض الأيام أن يصطنع له من أطيب الطعام وجمع أهل مملكته وحشمه، وأصحابه وخدمه ليأكلوا عنده، وينالوا رفده، وجلس على سرير مملكته، واتكأ عل وسادته، وقال: يا نفس قد جمعت نعم الدنيا بأسرها فالآن أفرغي بالك وكلي هذه النعم مهنأة بالعمر الطويل، والحظ الجزيل. فلم يفرغ مما حدث به نفسه حتى أتى رجل من ظاهر القصر عليه ثياب رثة خلقة، ومخلاته في عنقه معلقة، على هيئة سائل يسأل الطعام فجاء وطرق الباب طرقة عظيمة هائلة بحيث تزعزع القصر وتزلزل، وخاف الغلمان ووثبوا إلى الباب وصاحوا بالطارق وقالوا: يا ضعيف ما هذا الحرص وسوء الأدب اصبر حتى نأكل ونطعمك مما يفضل، فقال لهم: قولوا لصاحبكم ليخرج إلي فلي إليه شغل مهم، وأمر ملم. فقالوا تنح أيها الضعيف من أنت حتى تأمر صاحبنا بالخروج إليك؟ فقال: أنتم عرّفوه ما ذكرت، فلما عرّفوه من الطرقة الأولى فنهضوا من أماكنهم بالعصي والسلاح وقصدوه ليحاربوا فصاح بهم صيحة وقال: إلزموا أماكنكم فأنا ملك الموت، فارتعدت فرائضهم وبطلت عن الحركة جوارحهم، ورعبت قلوبهم، وطاشت عقولهم، فقال الملك: قولوا له ليأخذ بدلاً مني، وعوضاً عني. فقال: ما آخذ إلا أنت ولا أتيت إلا لأجلك لأفرق بينك وبين هذه النعم التي خولتها. فقال: لعن الله هذا المال الذي غرني وأضرني، ومنعني عن عبادة ربي وكنت أظن أنه ينفعني، فاليوم صار حسرتي وبلائي وخرجت صفر اليدين منه وبقي لأعدائي. فأنطق الله المال حتى قال: لأي شيء تلعنني، إلعن نفسك فإن الله تعالى خلقني وإياك من تراب وجعلني في يدك لتتزود بي إلى آخرتك