يقال أن ملك الموت دخل على سليمان بن داود عليهما السلام فجعل يحد نظره، ويطيل بصره، إلى رجل من ندمائه، فلما خرج قال ذلك الرجل: يا بني الله من كان ذلك الرجل الذي دخل؟ فقال: ملك الموت. فقال: أخاف أن يريد قبض روحي فخلصني من يده. فقال: كيف أخلصك؟ فقال: تأمر الريح أن تحملني في هذه الساعة إلى بلاد الهند، لعله يضل عني ولا يجدني.
فأمر سليمان الريح فحملته في الوقت والحال، فعاد ملك الموت ودخل على سليمان بن داود، عليهما السلام، فلما دخل عليه قال له: لأي سبب كنت تطيل النظر إلى ذلك الرجل؟ قال: كنت أتعجب منه لأني أُمرت أن أقبض روحه في أرض الهند، وكان بعيداً عنها إلى أن اتفق بحمل الريح له إلى هناك، فكان ما قدره الله تعالى.
الحكاية الخامسة
يروى أن ذا القرنين مر بقوم لا يملكون شيئاً من أسباب الدنيا، وقد حفروا قبور موتاهم على أبواب دورهم، وهم كل يوم يتعمّدون تلك القبور يكنّسونها وينظّفونها وينخرونها ويزورونها ويعبدون الله فيها، وما لهم طعام إلا الحشيش ونبات الأرض. فبعث إليهم ذو القرنين رجلاً فدعا ملكهم فلم يجبه، وقال: ما لي وله. فجاء ذو القرنين، وقال: كيف حالكم؟ فإني لا أرى لكم شيئاً من ذهب ولا فضة، ولا أرى عندكم شيئاً من نعم الدنيا؟ قال: لأن نعم الدنيا لا يشبع منها أحد قط. وقال: لم حفرتم القبور على أبوابكم؟ فقال: لتكون نصب أعيننا فننظر إليها، ويتجدد لنا ذكر الموت، ويبرد حب الدنيا في قلوبنا فلا نشتغل بها عن عبادة ربنا، فقال: ولم تأكلون الحشيش؟ فقال: لأنا كرهنا أن نجعل بطوننا قبوراً للحيوانات، ولأن لذة الطعام لا تتجاوز الحلق. ثم مد يده إلى طاقة فاخرج منها قحف رأس آدمي فوضعه بين يديه وقال: يا ذا القرنين، أتعرف من كان صاحب هذا؟ قال: كان صاحب هذا القحف ملكاُ من ملوك الدنيا، وكان يظلم رعيته ويجور عليهم وعلى الضعفاء