فوجدوا كنزاً فقالوا: قد جعنا فليمضِ واحد منا ويبتاع لنا طعاماً. فمضى أحدهم ليأتيهم بطعام فقال: الصواب أن أجعل لهما سماً قاتلاً في الطعام ليأكلا منه فيموتا وانفرد بالكنز دونهما، ففعل ذلك وسم الطعام. واتفق الرجلان الآخران أنه إذا وصل إليهما قتلاه وانفردا بالكنز دونه. فلما وصل ومعه الطعام المسموم قتلاه وأكلا من الطعام فماتا. فاجتاز عيسى عليه السلام بذلك الموضع فقال للحواريين: هذه الدنيا كيف قتلت هؤلاء الثلاثة وبقيت من بعدهم، ويل لطلاب الدنيا من الدنيا.
[العين الثانية معرفة النفس الأخير]
إعلم يا سلطان العالم أن بني آدم طائفتان: طائفة نظروا إلى شاهد حال الدنيا وتمسكوا بتأميل العمر الطويل، وطائفة عقلاء جعلوا النفس الأخير نصب أعينهم لينظروا إلى ماذا يكون مصيرهم وكيف يخرجون من الدنيا ويفارقونها وإيمانهم سالم وما الذي ينزل معهم من الدنيا في قبورهم وما الذي يتركونه لأعدائهم من بعدهم ويبقى عليهم وباله ونكاله؟ وهذه الفكرة واجبة على الخلق وهي على الملوك وأهل الدنيا أوجب لأنهم كثيراً أزعجوا قلوب الخلائق وأنفذوا إلى الناس الغلمان بالسيئات وأفزعوا الخليقة وأدخلوا في قلوبهم الرعب، فإن بحضرة الحق تعالى غلاماً اسمه عزرائيل لا مهرب لأحد من مطالبته وتشتيته وكل موكلي الملوك يأخذون جعلهم ذهباً وفضة وطعاماً وصاحب هذا التوكيل لا يأخذ سوى الروح جعلاً وسائر موكلي السلاطين تنفع عندهم الشفاعة وهذا الموكل لا تنفع عنده شفاعة شافع، وجميع الموكلين يمهلون من يوكلون إليه اليوم والليلة والساعة وهذا الموكل لا يمهل نفساً واحداً وعجائب أحواله كثيرة إلا أنّا نذكر من أحواله خمس حكايات.