يتفكروا حتى سار المركب فبعدوا عنه وانقطعوا في أماكنهم وتخلفوا إذ لم يصيحوا إلى المنادي ولم يسمعوا، فمنهم من أكلته السباع وتهشه الضباع.
فالقوم المتقدمون هم القوم المؤمنون المتقون، والقوم المتخلفون الهالكون هم الكفار المشركون، الذين نسوا الله ونسوا الآخرة سلموا كليتهم إلى الدنيا وركنوا إليها كما قال عز من قائل:(ذلك بِأنهم اِستحَبُوا الحَياة الدُنيا على الآخرةِ) أي ركنوا إليها. وأما الجماعة المتوسطون فهم العصاة الذين حفظوا أصل الإيمان لكنهم لم يكفوا أيديهم عن الدنيا فمنهم من تمتع بغناه ونعمته ومنهم من تمتع مع فقره وحاجته إلى أن غلبت أوزارهم، وكثرت أوساخهم وأوضارهم.
المثال التاسع: روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أبا هريرة أتريد أن أريك الدنيا؟) قلت: نعم يا رسول الله. فأخذ بيدي وانطلق حتى وقف بي على مزبلة فيها رؤوس الآدميين وبقايا عظام نخرة وخرق قد تمزقت وتلوثت بنجاسات الآدميين فقال:(يا أبا هريرة هذه الرؤوس التي تراها كانت مثل رؤوسكم مملوءة من الحرص والاجتهاد على جمع الدنيا. كانوا يرجون من طول الأعمار ما ترجون، وكانوا يجدون في جمع المال وعمارة الدنيا كما تجدون، فاليوم قد تغيرت عظامهم وتلاشت أجسامهم كما ترى، وهذه الخرق كانت أثوابهم التي كانوا يتزينون بها وقت الرعونة والتجمل والتزين قد ألقتها الريح في النجاسات، وهذه النجاسات كانت أطعمتهم اللذيذة التي كانوا يحتالون في تحصيلها وينهبها بعضهم من بعض قد القوها عنهم بهذه الفضيحة التي لا يقربها أحد من نتنها؛ فهذه جملة أحوال الدنيا كما تشاهد وترى فمن أراد أن يبكي علي الدنيا فليبكِ فإنها موضع البكاء) . قال أبو هريرة: فبكى جملة الحاضرين.
المثال العاشر: كان في زمن عيسى عليه السلام ثلاثة سائرين في طريق