البيت وربه. ومن كان أبله أحمق توهم أن ذلك الطبق والمجمرة قد أعدا له وهم يريدون أن يهبوهما له فلما همّ بالخروج أخذ الطبق والمجمرة فلم يمكن من الخروج بهما واستعادوهما منه فضاق صدره وتعب قلبه، وطلب الأقالة إذ ظهر ذنبه، فالدنيا كمثل طريق المسافر ودار الضيافة ليتزودوا منها لطريقهم ولا يطمعوا في الدار.
المثال الثامن: مثل أهل الدنيا واشتغالهم بأشغالهم، واهتمامهم بأحوالها، ونسيان الآخرة وإهمالها كمثل قوم ركبوا مركباً في البحر فعدلوا إلى جزيرة لأجل الطهارة وقضاء الحاجة، فنزلوا إلى الجزيرة والملاّح يناديهم لا تطيلوا المكث لئلا يفوت الوقت ولا تشتغلوا بغير الوضوء والصلاة فإن المركب سائر، فمضوا وتفرّقوا في الجزيرة وانتشروا في نواحيها، فالعقلاء منهم لم يمكثوا وشرعوا في الطهارة وعادوا إلى المركب فأصابوا الأماكن خالية فجلسوا في أطهر الأماكن وأوفقها وأرفعها.
ومنهم قوم نظروا إلى عجائب تلك الجزيرة ووقفوا يتنزهون في زهرتها وثمارها، وروضاتها وأشجارها؛ ويسمعون طيب ترنّم أطيارها، ويتعجبون من حصبائها الملونة وأحجارها، فلما عادوا إلى المركب لم يجدوا موضعاً ولا رأوا متسعاً فقعدوا في أضيق مواضعه وأظلمها.
ومنهم قوم لم يقنعوا بالنزهة ولم يقتصروا على الفرجة لكنهم جمعوا من تلك الحصباء الملونة ثم حملوها معهم إلى المركب فلم يجدوا مكاناً ولا فرجة فقعدوا في أضيق المواضع وحملوا ما استصحبوا من تلك الأحجار على أعناقهم فلم يمض إلا يوم أو يومان حتي تغيرت ألوان تلك الأحجار واسودت وفاح منها أكره رائحة ولم يجدوا مخلصاً من الزحام ليلقوا ثقلها عن أعناقهم فندموا عل ما فعلوا، وحصلوا بثقل الأحجار عل أعناقهم إذ كانوا بتحصيلها اشتغلوا.
ومنهم قوم وقفوا مع عجائب تلك الجزيرة وتنزهوا، وفي الرجوع لم