مقيم لا يبرح وقد اشتغل بتدبير أعمال لا يحتاج إليها بعد عشر سنين وربما يحصل بعد عشرة أيام تحت التراب.
المثال الخامس من ذلك: إعلم أن مثل الدنيا تتحف أهلها فيها بشهواتهم ولذاتهم من الأمور الفضائح التي يشاهدونها في الآخرة كمثل إنسان أكل فوق حاجته من طعام حلو سمين إلى أن هاض هاضت معدته فرأى فضيحته من هلاك معدته ونتونة نفسه وكره برازه وحاجته فندم بعد ذهاب لذته وبقاء فضيحته من هلاك معدته. وكذلك كلّما ألف الإنسان لذات الدنيا وتبين له ذلك كانت عاقبته أصعب، ويبتلي بمثل ذلك عند نزعه خروج روحه كمن كان له نعم كثيرة وذهب وفضة وجوار وغلمان وكروم وبساتين وفارقه كان ألم فراق روحه عليه أصعب ممن ليس له إلا القليل فإن ذلك الألم والعذاب لا يزول بالموت بل يزيد لأن تلك المحبة صفة القلب والقلب بحاله لا يموت.
المثال السادس من ذلك: إعلم أيها السلطان أن أمور الدنيا أول ما تبدو يظنها الإنسان قريبة مختصرة وأن شغلها لا يدوم، وربما كان من بعض أشغالها وأحوالها أمر يتسلسل منه أمر وينفق فيه بضاعة العمر، فإن عيسى عليه السلام قال: طالب الدنيا كشارب ماء البحر كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً ولهباً فلا يزال يشرب حتى يهلك ولا يروى. قال النبي صلى الله عليه وسلم:(كما لا يمكن من خاض البحر أن لا يناله البلل كذلك لا يمكن من دخل في أمور الدنيا أن لا يتدنس) .
المثال السابع من ذلك: مثل من حصل في الدنيا كمثل ضيف دُعي إلى مائدة ومن عادة المضيف أن يزين داره للأضياف ويدعو إليها قوماً بعد قوم، وفوجاً بعد فوج، ويضع بين يدي أضيافه طبقاً من ذهب مملوءاً بالجوهر ومجمرة من فضة من عود وبخور ليتطيبوا ويتبخروا وينالهم طيب رائحتها، ثم يعاودون الطبق والمجمرة بحالهما لمالكهما ليدعو غيرهم كما دعاهم. فمن كان عاقلاً عارفاً برسم الدعوات وضع من ذلك البخور على النار وتطيب وانصرف ولم يطمع أن يتناول الطبق والمجمرة وتركهما بطيبة من قلبه، وشكر لصاحب