الشهوات، وكانت همة عمر بن عبد العزيز في العبادة والزهادة.
قال محمد بن علي بن الفضل: ما كنت اعلم أن طباع الرعية تجري على عادة ملوكها حتى رأيت الناس في أيام الوليد قد اشتغلوا بعمارة الكروم والبساتين واهتموا ببناء الدور. وعمارة القصور، ورأيتهم في زمن سليمان ابن عبد الملك قد اهتموا بكثرة الأكل وطيب المطعم حتى كان الرجل يسأل صاحبه أي لون اصطنعت وما الذي أكلت ورأيتهم في أيام عمر بن عبد العزيز قد اشتغلوا بالعبادة وتفرغوا لتلاوة القرآن وأعمال الخيرات، وإعطاء الصدقات، ليعلم أن في كل زمن يقتدون بأفعاله، من القبيح والجميل، وإتباع الشهوات وإدراك الإرادات.
حكاية: ذكروا أن في زمن الملك العادل كسرى انو شروان ابتاع رجل من رجل أرضاً فوجد فيها كنزاً فمضى سريعاً إلى البائع وأخبره بذلك فقال: إنما بعتك ولم أعلم ما فيها والكنز الذي وجدته فهو لك ومبارك عليك فقال: لا أريده ولا أطمع في أموال الناس فترافعا بهذه الدعوى إلى الملك العادل انو شروان ففرح انو شروان بذلك وقال هل لكما أولاد فقال أحدهما لي ابن وقال الآخر لي بنت فقال انو شروان أحب أن يكون بينكما قرابة ووصلة وإن تزوجا الولد بالبنت وتنفقا هذا الكنز في جهازهما ليكون لكما ولولديكما ففعلا ما أمر به وتراضيا ما رسم لهما ولو أن الرجلين كانا في زمن سلطان جائر لقال كل واحد منهما الكنز لي ولكنهما لما علما أن ملكهما عادل طلباً الحق، وآثرا الصدق.
وقالت الحكماء الملك كالسوق فكل أحد يحمل إلى السوق ما يعلم أنه فيه نافق وما يعلم أنه كاسد لا يحمله إلى ذلك السوق. والرجلان اللذان وجدا الكنز وترافعا إلى السلطان علما إن الزهد والعدل والصدق يعزعند الملك وأن الحق عنده نفاق فلذلك حملاه إليه، وعرضاه عليه. وأما الآن في هذا الزمان فكلما يجري على يد أمرائنا وألسنة ولاتنا فهو جزاؤنا