عامرة فإنك لو طفت جميع ولايتي وطلبت أصلاً واحداً من كبر لم تجده ولو سمعت أن في موضع من ولايتي أصلاً واحداً من كبر لصلبت تلك الولاية على الملك أن سيلك طريق الملوك الذين تقدموه ويعمل على سننهم ويقرأ كتب مواعظهم وقضاياهم فإنهم كانوا أطول أعماراً، وأكثر تجارب وإعتباراً، وإنهم فرقوا بين الجيد والرديء، وعرفوا الجلّي من الخفي. وكان أنو شروان مع حسن سيرته يقرأ كتب مواعظهم ويطلب إستماع حكايتهم ويمضي على مناهجهم وسننهم وملوك هذا الزمان أجدر أن يفعلوا ذلك.
حكاية: سأل أنو شروان العادل يوماً وزيره يونان وقال أريد أن تخبرني بسيرة الملوك المتقدمين فقال له يونان تريد أن أمدحهم بثلاثة أشياء أم بشيئين أم بشيء واحد فقال أنو شروان أمدحهم بالثلاثة فقال يونان ما وجدت لهم في شغل من الأشغال ولا عمل من الأعمال قط كذباً. ولا رأيت لهم بشيء جهلاً. ولا رأيت لهم في حال من الأحوال غضباً. فقال أنوشروان أمدحهم بالشيئين فقال يونان كانوا دائماً يسارعون إلى الخبر وعمله. وكانوا دائماً يحذرون من أعمال الشر. فقال أمدحهم بشيء واحد فقال كانت سلطنتهم وجرأتهم على أنفسهم أكثر مما كانت على غيرهم فطلب أنو شروان الكأس وقال ولهذا سرور بالكرام الذين يأتون بعدنا ويملكون تاجنا وتختنا ويذكروننا كما نذكر نحن من تقدمنا. وأشقى الناس من إغتر بملكه وعمر الدنيا وهو لا يدري كيف ينبغي أن يعيش فيها فيعبر دنياه بالتعب ويحصل في آخراه بالندم السرمد، والعذاب المؤبد. وإنما كان قصد أولئك الملوك وإجتهادهم في عمارة الدنيا ليبقى فيها بعدهم طيب الذكر، مدى الأيام والدهر. كما جاء في الحكاية.
حكاية: كان لأنو شروان كرم يعرف بهزاركام فإجتمع يوماً فيه قيصر ملك الروم ويعفورجين ملك هندوستان في ضيافة أنو شروان فتكلم كل واحد منهم بكلمة حكمة. فقال قيصر الروم ليس شيء في هذه الدنيا أجود من فعل