يستديمه ويتمسك به إلى أن تزول حاجته، وتنقضي فاقته، ثم يعزله وينصب غيره فيكون مثله مثل من يربي طفلاً صغيراً إلى أن يصير بالغاً كبيراً يصلح للأشغال، وإمضاء الأعمال، ثم يقتله ويستأصله.
قيل أربعة أشياء على الملوك من جملة الفرائض وهي إبعاد الأدنياء عن مملكتهم، وعمارة المملكة بتقريب العقلاء، وحفظ المشايخ وأُولى الحكمة والتجربة والزيادة في أمر الملك بالإقلال من الأعمال المذمومة.
إشارة لطيفة: لما تولى الأمر عمر بن عبد العزيز كتب إلى الحسن البصري أن أعني بأصحابك فكتب إليه الحسن البصري أما طالب الدنيا فلا ينصح لك، وأما طالب الآخرة فلا يرغب فيك، ولا يجوز للسلطان أن يسلم وزارته ولا عملاً من أعماله إلى من ليس بأهل فإن سلم الأعمال إلى ذلك الرجل فقد أفسد ملكه وظهر له الخلل الوافر من كل وجه ومن كل جانب كما قال الشاعر:
البيتُ إذا ما حانَ خَرَابه ... ظهَر التخلخُلُ مِن أساسِ الحائطِ
وإذا تولىَ المُلكُ غير رِجالهُ ... ولُوا الأمورَ لكُلِ فدم ساقطِ
وينبغي لمن خدم الملوك أن يكون كما قال الشاعر:
إذا خدمَت الملوكَ فالبس ... مِن التوقِي اعزَ ملبس
وأدخُل إذا ما دخلَت أعمى ... واخرُج إذا ما خرجَت أخرسَ
وأما من تبسط مع السلطان فقد ظلم نفسه ولو كان ولد السلطان فليس للانبساط معهم في خدمتهم وجه كقول الشاعر:
إذا كُنت للسُلطَانِ نجلاً فداره ... وخف مِنه إن أحبَبَت رأسك تسلمُ
ومثل من تبسط مع السلطان كمثل الحواء الذي يكون دهره مع الحيات